نسمع في هذه الأيام الشديدة عن متاعب بعض الصناعيين بعد اشتداد طوق العراقيل حول الإنتاج.
والحال ذاته ينطبق على الفلاحين الذين يعانون مصاعب جمة تزيد تكاليف إنتاجهم بلا دعم كافٍ، ما يدلل على أن عصبي اقتصادنا “الصناعي والفلاح” يبذلان جهوداً مضاعفة وبشق الأنفس للاستمرار في الإنتاج.
وهنا مربط الفرس، ونقطة الخلل باهظة الثمن التي أوصلت معيشتنا إلى واقعها “المر” وحتماً لن نتذوق طعمها الحلو إلّا عند إنصاف أهل الزراعة والصناعة.
وبالتوازي، نسمع عن تقديم إجراءات داعمة وصرف أموال طائلة لدفع عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، لكن على أرض الواقع هناك وضع يغرد خارج سرب التصريحات فلو وجدت هذه الإجراءات طريقها للتنفيذ، كما يأمل المعنيون، ويأمل المواطنون المنتظرون الفرج، لما ظل الصناعي والفلاح يطالبان بتقديم حاجات العمل الأساسية.
ولا ننكر قطعاً تأثير الحرب والحصار في تزويد المنتجين بمستلزمات العمل المطلوبة، لكن في المقابل يصعب تجاهل أن التقصير والتباطؤ في دعمهم وتركهم يدبرون أمورهم بأنفسهم كان له أثر سلبي بينما لو قدم العون في وقته ربما كان من الممكن تطويق الحصار وكسره، فالإنتاج وحده قادر على تحقيق هذه الغاية، خاصة أننا نمتلك صناعات وزراعات تكفي حاجتنا من الغذاء واللباس.
فكيف إذا استثمرت ميزاتها النسبية بالشكل الصحيح، حتماً سيؤدي ذلك إلى وقف استنزاف الخزينة عبر التخلي عن سياسة المستوردات مرتفعة التكلفة على نحوٍ يفيد عموم المواطنين وليس قلة قليلة من المنتفعين.
واليوم بات الكل مقتنعاً أن الإنتاج هو السبيل الوحيد للخلاص وإنقاذ اقتصادنا، لكن المشكلة في آلية التنفيذ واستثمار الوقت قبل وقوع الفأس في الرأس، ما يفرض وضع خطة قصيرة المدى مدعومةً بقرارات عاجلة لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي وتلبية مطالب الصناعيين والفلاحين المحقة والتشارك معهم في تنفيذ سياسة الاعتماد على الذات، فالمرحلة الصعبة التي نعيشها توجب تقليل المستوردات والاعتماد على إمكاناتنا المحلية، ولاسيما عند معرفة أننا لا نزال نعيش اليوم ببركة سياسة الاعتماد على الذات المطبقة في الثمانينيات، وتالياً لا حاجة لاستيراد تجربة دول نجحت في
تحويل الحصار إلى ورقة رابحة، ما دمنا نملك تجربةً ناجحة بامتياز تحاكي واقع اقتصادنا ومعيشتنا، ورغم كل هذه الضغوط لا تزال الفرصة سانحة فلا تهدروها من جديد؟