“رؤية 2022”.. لقاءٌ يجمع “سلوم و”البوشي” و”رجوب”

لبنى شاكر:

أسبابٌ عديدة تجعل من إقامتهم معرضاً مُشتركاً مناسبةً يستحق التوقف عندها، منها أن الأساتذة في كلية الفنون الجميلة “د.سائد سلوم، د.يوسف البوشي، د.عهد الناصر رجوب”، أصحاب تجارب فنية غنية، تتعدد فيها المحطات والأساليب، على قلّة معارضهم الفردية، إلى جانب اختيارهم عنواناً يُوحي بالتقائهم في مكانٍ ما، رغم انطلاق كلٍّ منهم، من زاويةٍ خاصة، أفضت بهم نهايةً إلى “رؤية 2022″، بما فيها من مفرداتٍ ومجموعة ألوانٍ وخطوط، تشابكت جميعها، اختلفت واتسقت، ثم التقت في أرضٍ واحدة، عرفت أزمنةً كثيرة، أحدها ما نعيشه اليوم، وهو ما دارت حوله أعمال الفنانين الثلاثة في صالة عشتار مؤخراً.

 

إلى التراب

يرفض د.سائد سلوم التعاطي مع غير المألوف بشكلٍ طبيعي واعتيادي، ويعدّ هذا مقدمةً لسؤالٍ عمّا ستؤول إليه حياتنا ومصائرنا، لهذا اختار الحديقة كجزءٍ، مما اختلّ حولنا خلال الأعوام الأخيرة، ليقول إنّ التعايش مع الخراب غير مقبول، فَرَسم مقاعد مقلوبة وصخوراً ضخمة تُوحي بأنها جسد إنسان، فَقدَ مادته العجينية الأولى، اللحم والدم والحياة، فتحوّل إلى مادةٍ صلبة مُتحجرة، غابت عنها الملامح الواضحة، أو اختلطت بالخشب في مزيجٍ غريب شاهدناه مراراً في نشرات الأخبار.. أجسادٌ وأشلاء اختلطت بشظايا وبقايا غير معروفة في وضعياتٍ مُرعبة، وفي هذا كلّه لم يتخلَّ سلوم عن ألوان الحديقة، بل أعاد صياغتها بطريقةٍ مختلفة لا تنفصل عن فكرة أن الإنسان حين يموت يعود إلى التراب.

عوالم صغيرة

يشتغل د.عهد رجوب على اللوحة الصغيرة، التي لا تتجاوز قياساتها أحياناً بضعة سنتيمترات، ومن ثم يجمعها مع لوحاتٍ أخرى في إطارٍ أكبر، كأنه يُجزّئ يومياتنا إلى لحظات، يلتقطها ويُثبتها بصبرٍ وتأنٍ، ليقبض على شعورٍ أو حدثٍ أو ردة فعلٍ بدت عابرة أو لم يلحظها أحد، لذلك نجد في المساحة المتناهية الصغر عوالم وحكايا قائمة، فيها سماواتٌ وشواطئ وصحارى، أجسادٌ وأجزاءٌ منها، وجوهٌ متقابلة، وأفرادٌ اختلطت هيئتهم باللون الطاغي في الخلفية، شيءٌ من الأساطير، شبابيك، معظمها بخطوطٍ منحنية بسيطة رغم كثرة تداخلاتها، وما يسترعي الانتباه أن رجوب يضع شخوصه على إطار إحدى اللوحات بشكلٍ متطاول، كما لو أنهم حبرٌ سائل سيجد طريقه إلى السطح الأبيض دائماً، وسيكون قادراً على التشكّل كلّ مرة.

قلقٌ دائم

يعود د. يوسف البوشي إلى الهلع المرافق للبشر منذ ولادتهم، خوفاً من الموت والجوع والفَقد، فتأتي وجوهه باكية، فزِعة، نظراتها ثابتة أو بلا عيون، وحين تضم لوحاته مجموعة شخوصٍ يلفها بؤسٌ ما، وتظهر عاجزة، بائسة، تختلط في إحدى اللوحات مع ذئابٍ هائجة، ربما هم بشرٌ آخرون أحالهم الجزّع وحوشاً فقدت أنصاف أجسادها، وفي لوحةٍ ثانية احتلت بومتان مكانهما على رأسٍ بشري، فيما ذئبٌ يقف على يساره وسط لهيبٍ أصفر وأحمر، نراه في لوحة ثانية بإيحاءٍ آخر يُحيط بامرأةٍ ويكاد يأخذها، واللافت هنا انحياز البوشي إلى القلق المُستقر في دواخلنا، رغم ما نُحاول إظهاره من تجلّدٍ وقوة ولا مبالاةٍ في أوقاتٍ كثيرة يتجاهلها الفنان، بوصفها ادعاءً ينهار سريعاً عند سماع صوت انفجارٍ ما أو خبر رحيل أحدهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار