حلم وذاكرة
بين الحلم والذاكرة الكثير من المُشتركات، غير أنه ورغم كل المُشترك بينهما، فإنهما بالنسبة للمرء قد يكونا على طرفي نقيض..
ما يجمع بين الحلم والذاكرة؛ إنهما مفهومان يعيشهما المرء في التخييل أو في الخيال، حتى إنه يُطلق على الذاكرة (نستولجيا) مع ما يُرافق هذا المُصطلح من مشاعر الحنين، الحنين لأمورٍ عذبة حصلت في الماضي، فيما عذوبة الحلم تكمن في تحقيق جماليات وأمانٍ يُرادُ لها أن تحصل في المستقبل، وما يجمع بينهما أن المرء يستحضر مشاهد وأماكن وأحداثاً وحتى شخصياتٍ بكامل حيويتها وحميميتها وجمالياتها.. بمعنى؛ أن يعيش المرء في الحلم أو في الذاكرة، يعني العيش في التأليف من تركيب وتحليل، وإعادة رسم مشاهد، وإذا كان المرء لديه ملكة الإبداع، فربما ينتج عن الذاكرة أو الحلم الكثير من النتاج الإبداعي من قصص وروايات وحتى الكثير من القصائد والأعمال البصرية من تشكيل وسينما ومسرح والعديد من أنواع الدراما..
ومن الاستعراض السريع لما يجمع بين المفهومين –الذاكرة والحلم– غير أنّ ما يجعلهما على طرفي نقيض، يُماثلُ ما يجمع بينهما.. فكما ذكرنا أعلاه، من يعيش في النستولوجيا– الذاكرة، يعني العيش في الماضي، وربما هنا (الحلم) باسترجاعها، وهنا (حلم) الاسترجاع لأسباب كثيرة؛ منها على سبيل المثال الخيبة من وقائع الحاضر، وخيبة الأحلام المُفعمة بالحياة الإنسانية الكريمة وقد تكون النستولوجيا لعجوزٍ حقق كل أحلامه ثم جلس يستريح مستذكراً كل ما حققه وعاشه في الماضي، وقد تكون الذاكرة أو التذكر والعيش في الماضي في أخطر حالاته، وهي (النكوص)، بمعنى توهم أن الماضي هو الحل، ومن ثمّ العمل على استرجاعه، وهو في الحقيقة يسترجعُ الكارثة.. والكثيرون يعيشون في الماضي حتى إنهم لا يجدون أمراً جميلاً إلّا به، وربما من هنا كانت المقولة الكارثة: “الزمن الجميل”.
في الأحلام، على العكس تماماً، هنا ثمة سعي لتحقيق الأماني التي هي بتقدير المرء تحققُ سعادته، وتعني العيش في المستقبل، وأخطر ما يُهدد الأحلام؛ هو العيش في (أضغاثها)، أو العيش في أحلام اليقظة.. وأظن أن (العربي) اليوم، وسواء بالنسبة للحلم أم للذاكرة، فهي عنده ليست أكثر من أضغاث أو نكوص، وربما يكون سيّد كتّاب القصة في العالم الأديب الروسي “انطون تشيخوف” (١٨٦٠-١٩٠٤)، أبلغ من ميّز بين الحالم والمتذكر بقوله: “من أولى علامات الشيخوخة، تحوّل الانسان من كائنٍ يحلم إلى آخر يتذكر”.