ثقيلون في مضافات (السوشيال ميديا)

هدى قدور
العنوان ليس تجنياً على الإنترنت، فالتجارب التي تعرّض لها معارفنا تؤكد أن أراشيف الصور الشخصية الضخمة التي خزنوها على اشتراكاتهم في المواقع العالمية، يمكن أن تضيع بلحظة لأن الموقع تم إغلاقه أو أصابه فايروس من نوع ما!.. كذلك الأمر بالنسبة لصفحات “الفيس بوك” واشتراكات “التليغرام” و”التويتر” وغيرها.. فنحن العرب مجرد ضيوف ثقيلين على هذه المنابر ويمكن في أي لحظة الاستغناء عنا لأننا لا نمتلك السيرفرات الضخمة التي تقبع في الخارج، وليس لدينا تقانة الإنترنت المحلي لأننا نستورد الكابلات والشاشات والأجهزة المحمولة، حتى “الماوسات” لم نصنعها، وبالتالي فإن خضوعنا لشروط السوق سيكون من المسلمات خاصة إذا غردنا خارج الدعاية العالمية التي تمتلك هذه الصناعة.
تقييد الحساب، أبسط ما يمكن أن تفعله تلك المنابر، وأيضاً منع استخدام عبارات لا تناسب توجهات مالكي المواقع والسيرفرات، مثل فلسطين أو الانتفاضة أو المقاومة أو غيرها، عدا عن إمكانية استخدام كل ذلك في عمليات تجسس عالمية هدفها تصنيف الأشخاص والقيام بالإحصائيات وتحديد انعطافات الرأي العام في أي بلد من البلدان. وبالطبع فإن انتقادنا هذا لا يعني دعوة للعودة إلى دواة الحبر أو القلم الأزرق للكتابة على المخطوطات، بل ضرورة أن نسارع إلى ابتكار الحلول حتى لا تضيع بنوك المعلومات العربية في أي لحظة لأننا مجرد مستهلكين لتقنيات الشبكة ولا نشارك بصنع أي شيء فيها!.
أثرت مواقع السوشيال ميديا على الانفعالات وأنواع الكتابة، فجعلتها لحظية قصيرة وسريعة، مهووسة باللحاق بركب المتابعين الذين لا وقت لديهم لقراءة المطولات، ولا انتظار الدراسات المعمقة، فكل ما يكفيهم هو العناوين، وبالتالي فضل الكثير من الكتّاب أن يحولوا صفحاتهم إلى أراشيف شخصية، وأصدروا مؤلفاتهم بصيغة كتب “بي دي اف” لكنهم تناسوا أن كل ذلك يمكن أن يطير بلحظة واحدة.. من الناحية النفسية فإن تركيز الكتاب على ردود فعل المتابعين أخذ أهميته أكثر من النص المكتوب، كما راعى أولئك الكتاب أذواق الناس الذين لا وقت لديهم للتأمل فكانت نصوصهم مختزلة مبتورة، وكان كل واحد منهم يخبرنا كم حصل منشوره الضئيل والمثير على إعجابات ومشاركات لأنه هزّ وجدان الجمهور!.
القضية عبارة عن لعبة “أتاري”، وعلى الجميع الانهماك بتحريك الأزرار وفق شروط “الكونترول” القابع خلف الكواليس الذي يحدد القواعد وطبيعة المشاركين ويمكنه رفع البطاقة الصفراء أو الحمراء في وجه من يُعتقد أنه انتهك التعليمات. هكذا ستتفاقم قضية إخضاع المعلومات للأزرار لتصل إلى مرحلة التنميط العالمي للبشر الذين سيغدون نسخة واحدة في مرحلة ما، كما ستحدد لهم طبيعة المواضيع التي يجب أن يفكروا فيها، ونوعية المشاعر التي تنتابهم، والمواقف التي لابد من أن يتخذوها عند كل حدث. وحتى نبتكر الأدوات ونشارك في تصنيع الشبكات الخاصة، سنبقى ضيوفاً ثقيلي الظل على الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا.!..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار