“حكايتنا مع الحجر”.. قصة الشغف مع احتمالات النحت

زيد قطريب:

الحكاية ليست مع الحجر، بل مع الكتلة وما درج الناس على تسميته بالجماد. فهذه المادة لا تلبث أن تأخذ وجوهاً لكائناتٍ التقيناها من دون أن ننتبه.. في الشارع والطبيعة والأرض الصخرية هناك قبائل من الوجوه والأجساد التي تنتظر أن يكتشفها أحد.. هكذا ظهرت كائنات لطفي الرمحين ووليد مراد في معرض “حكايتنا مع الحجر” المقام حالياً في صالة زوايا بدمشق، كي تقول إنني هنا، لكن حتى يُعثر عليّ لابد من أصابع ماهرة وروح شفافة.

المعرض كان مناسبة للاطلاع على تجربة الفنان وليد مراد في معرضه الأول، بعد خبرة وتعامل طويل مع الحجر السوري في جبال صيدنايا التي خبرها مراد جيداً وعرف خباياها، حتى إن المتابع يتساءل أين كانت هذه الجماليات طوال هذه المدة من الزمن؟ الإجابة تقول إن مراد محكوم بالشغف في ممارسة الفن إلى درجة التصوف، فهو لم يرد شهرة أو ثناء عندما اتبع شغفه واستنطق الصخور بما خبأته في صمتها طويلاً.. نحت مراد موجودات الطبيعة وصنع أشكالاً اختارها الحجر نفسه لأنها من صلبه وهويته، فكانت الأعمال تتماهى مع البيئة حتى في أشكالها التجريدية التي تحتمل التأويل.

لقد كتب عن أعمال لطفي الرمحين الكثير، فهو صاحب تجربة معروفة للجمهور، لكن أعمال مراد كان بمنزلة المفاجأة نظراً لفطريتها وانسياقها مع انفعالات الفنان في تفاعله مع تلك الجبال التي تبدو موحشة للوهلة الأولى، لكنها في حقيقة الأمر تعد مكنونات لبوح لا ينتهي كأنه يحكي قصة التاريخ. ورغم عدم دراسة الفنان مراد للفن بشكل أكاديمي، إلا أن المهارات في الأعمال أظهرت عشقه للفن والحجر السوري، كأنه يرد الجميل له عن طريق إعادة نحته بشكل مختلف أو بالأحرى عبر كشفه القصص التي يحكيها.

فطرية الفن بلا تعقيدات تأخذ مكانها في إيصال الفكرة ونقل انفعالات الفنان الذي يتماهى مع الأرض ليرد الجميل لها، وذلك لم يكن الحامل الوحيد للأعمال التي قدمها مراد، بل ترافق مع المهارة في نحت التفاصيل، وبالتالي كان المتابع أمام جماليتين: تتصل الأولى بجمالية الشكل والثانية بجمالية المضمون والمعنى.

شاء لطفي الرمحين أن يقدم منحوتاته على خشب الأشجار بشكل أساسي، وذهب وليد مراد باتجاه النحت بالصخر، في الحالتين عثرنا على أشكال لم نتخيلها كانت مخبأة بمنزلة الكنوز في داخل الموجودات التي تمر بشكل عادي أمام العين فلا تلتقطها إلا الأصابع الماهرة والأرواح مالكة الشغف!