كاتدرائية طرطوس أهمّ مزار للحجٍّ في العصر البيزنطيّ
ثناء عليان:
“متحف طرطوس وأهم المقتنيات الأثرية” عنوان المحاضرة التي ألقتها أمينة متحف طرطوس الوطني صبا عمران بدعوة من المركز الثقافي في بانياس، قدمت خلالها عرضاً تاريخياً مفصلاً عن المتحف وأخذتنا بجولة من خلال عرض صور له ولمقتنياته الأثرية، عرفتنا فيها على تاريخ (كاتدرائيّة طرطوس) التي يعود تاريخ بنائها إلى منتصف القرن (12م، حوالي سنة 1130م)؛ وتعدّ من أهمّ الأبنية الّتي بقيت داخل السّور الدّائري للمدينة الأسقفيّة القديمة، ومن أهمّ الكنائس اللّاتينية الأثريّة الّتي ورثناها عن العهد الصليبيّ، حيث بنيت على أنقاض معبد فينيقي قديم يعود إلى الفترة الصليبية، وهي متأثّرةٌ بعمارة الكنائس البيزنطيّة، المتأثرة بدورها بالكنيسة الشّرقيّة نظراً لفتحات نوافذها الأربع، ويعتقد أنها شيدت على أنقاض كنيسة بيزنطية أقدم منها تعود إلى زمن “قسطنطين الكبير” سنة “346” ميلادي..
وأشارت إلى أن المذبح القديم الموجود في الكاتدرائيّة قد دشّن بحسب الرّوايات من قبل القدّيس بطرس، وأن أيقونة العذراء قد رسمت من قبل القديس لوقا نفسه، وقد عدّت أهمّ مزار حجٍّ مسيحيٍّ في العصر البيزنطيّ، فأطلق عليها اسم (كنيسة الحجّاج) أو كنيسة العذراء، ويذكر أنّه في عام (1253م) أقيم في الكاتدرائيّة حفل زفاف لأرملة ملك قبرص “أليس دي شامبانيه” لـِ بوهمند الأنطاكي؛ وفي عام (1265م) فكّر المدافعون عن مدينة طرطوس أمام انتصارات بيبرس بهدم الكاتدرائيّة، إذ بسقوط السّور الأوّل القريب منها فإنّها ستقع بيد الفاتحين، وتصبح بالتّالي مركزاً هجومياً، لكنّ البابا (كليمونت الرّابع) عارض الفكرة وقرّر بدلاً من هدمها تقوية الكاتدرائيّة (خلف المذبح الكبير)، حيث قوّى البرجين الخلفيّين، كما تمّ بناء برجين آخرين على الواجهة الأماميّة للكاتدرائية، وهكذا كانت تبدو الكاتدرائيّة بأربعة أبراج، إلّا أنّه اليوم لا يوجد شيء منها.
وبيّنت عمران أن الكاتدرائيّة حوَّلها العثمانيون إلى جامعٍ عام (1851)، ومن ثمّ عسكرت فيها قطعات الجيش الترّكيّ، وفي عام (1920) جعلها الحاكم الفرنسيّ مأوىً للّاجئين، وفي سنة (1922) ألحقت بمصلحة الآثار السّوريّة، وتحوّلت إلى متحف عام (1956).
تبلغ أبعاد الكاتدرائية (41×34.5)م، ويتراوح ارتفاع مداميكها بين (0.30 – 0.50)م، وتتألّف كتلة بنائها من ثلاثة أروقة، مشيرة إلى أن سقف الرّواق الوسطيّ هو عقدٌ مدبّبٌ مستمرّ، أمّا الرّواقان الجانبيان فسقفهما يتألّف من عقودٍ متصالبةٍ بحيث يشكّل كلٌّ منها صليباً، وفي كل ضلعٍ خارجيٍّ من الرّواقين الجانبيّين نافذةٌ تنير صحن الكاتدرائيّة المركزيّ، ومن الشّرق نافذةٌ تنير الهيكل، أمّا من جهة الغرب فلها ثلاث نوافذ، العليا أصغر من الاثنتين، وأشارت إلى أن هذه الأروقة بنيت على ركائز أعمدة مقطعها العرضيّ يأخذ شكل الصّليب أيضاً، ويظهر تأثير الفنّ القوطيّ فيها على زخرفة معظم تيجان الأعمدة، وللعمود القائم في شمال غرب صحن الكاتدرائيّة بين الرّواقين الثّاني والثّالث صفاتٌ خاصّة: حيث يتألّف من قاعدةٍ مكعبة الشّكل طول ضلعها أربعة أمتار؛ وفي القاعدة بابٌ يفتح باتّجاه الشّمال ويظهر مباشرةّ في الرّواق الشّماليّ، وعلى الأرجح أنّها بوابةٌ لكنيسة قديمة، بنيت على أثرها هذه الكاتدرائيّة، ويوجد برجان مستطيلان في طرفيّ الكنيسة الشّرقيّين في كل منهما حجرةٌ تستخدم للتّعبّد والدّفاع معاً؛ ويُوصَلُ إلى الطّابق العلويّ للبرج الشّمالي الشّرقيّ عن طريق سلّمٍ حلزونيٍّ ضيّقٍ أقيم في جدار الهيكل، ويوجد خلف الواجهة الشّماليّة الشّرقيّة حجرةٌ مقبّبةٌ ذات زوايا نافرة أرضيّتها محمولةٌ على قناطر، وفي أعلاها نوافذ مستطيلةٌ؛ ويقود السّلّم إلى ظهر الكاتدرائيّة، أمّا في رواقها الجنوبيّ فقد حفر خزّان ماء في وسطه، كان يخزّن المياه بوساطة قناة لا تزال آثارها باقية.
ويضم المتحف الكثير من اللقى والمقتنيات الأثرية التاريخية، كالتوابيت الحجرية الرخامية التي تعود إلى العهد الروماني، والنقود البرونزية والدُّمى والجرار الإغريقية والرومانية والأواني الفخارية والبرونزية والزجاجيات والتماثيل والمباخر، وقطع موزاييك تمثل آلهة الخصب وإله البحر والراعي المستريح، ولقى جنائزية خاصة بالعبادة والدفن، ومسلة للإله بعل عثر عليها في مدينة القدموس، وهي مصنوعة من حجر البازلت، وتعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وآثار من مدن وتلال وقلاع أثرية، كما توجد فيها مئات القطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرنين الـ 14 والـ 12 قبل الميلاد.