دعاء البسطاطي طائر حرّ بلا جناحين
ديما الخطيب:
لا يعيب طائر البطريق أنه من دون أجنحة، ولا ينفيه قصر جناحيه عن فصيلة الطيور، فكيف بطائر الشاهين الحرّ الذي يحلّق عالياً في سماء الحياة ويضرب بقدميه قمم المستحيل! كذلك تحلق الفنانة التشكيلية دعاء البسطاطي عالياً في بياض لوحاتها النقي، لتصنع عالمها الخاص المميز الذي لا يشابهه شيء ولا ينافسه في جماله حلم يقظة.
فتحت ابنة حي الميدان الدمشقي العريق عينيها عام 1990 على واقع أنها ولِدت بلا ذراعين، لكنها كبُرت لتثبت لكل من حولها أن الإعاقة وجهة نظر، موجودة في عقول فاتري الهمة وضعيفي الإرادة فقط.
بسطاطي التي تكره كلمة إعاقة ، ينبض بين ضلوعها قلبٌ من موسيقا، وتجري في دمائها ألوان قوس قزح، ويعانق جسدها روحٌ شغوف بحبّ الحياة والناس والألوان والفنون وحتى الطبخ وأعمال المنزل، تفجرها طاقةً جبّارة للعمل والعطاء, وحتى مساعدة الآخرين..
ترسم بسطاطي باستخدام أصابع قدميها بكل التقنيات والأساليب التي تعلَّمتها، لكنها تميزت بتقنية الرسم على الزجاج لما يتمتع به من شفافية قادرة على أن تعكس ما في داخلها من أحاسيس مرهفة، وتوضح بسطاطي أن كل من حولها يشجعها على العمل الفني، ويتعامل معها كشابة عادية.
«تشرين» التقت دعاء البسطاطي التي حدثتنا عن بداياتها مع الفن التشكيلي:
في عمر الثالثة عشرة بدأت أختي تشجعني على الرسم وأحضرت لي بعض رسومات الأطفال وكنت أرسمها باستخدام قدمي، وفي عمر أكبر دخلت مركز أدهم إسماعيل لأنمِّي موهبتي، وبعدها صار هدفي كليّة الفنون الجميلة ودخلتها وتخرجت فيها.”
– ما الصعوبات التي اعترضتك وكيف تجاوزتها؟
“كل شخص في الحياة لا بدّ أن يمرَّ بصعوبات، بالنسبة لي كل شيء صعب أحوِّله إلى عمل سهل، فمثلاً في كليّة الفنون الجميلة لم يكن هناك مكانٌ خاص لأجلس فيه وأرسم، فصرت أقعدُ على الأرض وأتعلم وأرسم، وهكذا تستطيعين القياس على بقية أموري الحياتية، لكل شيء حلٌّ بقليل من التفكير وكثير من الإصرار.”
شاركت بسطاطي في مشاريع فنية في كل من سورية وأوكرانيا وبريطانيا، وتعتمد تقنية الرسم العكسي على الزجاج, ومن المعارض التي شاركت فيها “تجارب أنثوية” ومعارض”الربيع” و”الخريف” ومعرض عن الوقاية من المخدرات تقول: بداية مشاركاتي كانت في معهد أدهم إسماعيل في أوكرانيا وبريطانيا والأردن, وعدة معارض جماعية ومعارض فردية منها في حلب.
– هل تفضلين مدرسة فنية دون أخرى؟ أم الارتجال هو سيد أعمالك؟
تجيب: أكثر اهتمامي بالواقعية إضافة إلى الارتجال الذي أكون فيها حرّة في تجسيد أفكاري تماماً كما أريد”
تستقي البسطاطي مواضيع لوحاتها من صلب الحياة الواقعية، فتتناول المرأة بكل تفاصيلها وهمومها وأفكارها وأحلامها، كما تحب تصوير الطبيعة الصامتة والحارات الدمشقية القديمة، ولا تغفل عن تصوير كبار السن بخطوط واقعية عالية التقنية وغنية الفكرة، مستخدمةً غالباً تدرجات الألوان الترابية.
لم تؤثر الحرب شديد التأثير في أعمالها سوى أنها أبعدتها عن الرسم لمدة عام، لكنها عادت بعد ذلك إلى شغفها بإصرار وقوة أكبر, وعن تأثرها بالرسامين السوريين أو العالميين تقول البسطاطي: مع بداية تعلمي الرسم في مركز أدهم إسماعيل تأثرت بأعمال أبي الهندسة المعمارية وفن الإحاثة الإيطالي “ليوناردو دافينشي”
– إن كنت مخولة بتقديم رسالة للعالم من إنسانة مكافحة رفضت الاستسلام لوضعها، لمن توجهينها وماذا تكون؟ تقول دعاء: “رسالتي لكل شخص ولكل عائلة لديها شخص عنده نقص في شكله الخارجي، -لن أقول معوق لأني لا أحب هذه الكلمة- يجب أن تعرفوا أن لهذا الإنسان حقاً في أن يعيش أحلامه ويحقق أمانيه، وأن لديه من القوة لتحقيق المستحيل ما ليس لدى أي إنسان طبيعي لا يعاني أي نقص، فقط اهتموا بهم وادعموهم وأفسحوا لهم المجال للطيران، وسترونهم يحلِّقون عالياً ويحققون المستحيل.”