أسماؤنا سماتنا فلنُحسِن اختيارها
رنا بغدان:
سمّت العرب أبناءها على اسم كل ما وقعت عليه أعينهم من جماد أو نبات في بيئتهم التي نشأوا فيها وألِفوا مشاهدتها, وبحكم وجودهم في تلك البيئة الصحراوية القاسية والخشنة وإصرارهم على إظهار جَلدهم وقوة تحمّلهم ومجابهة الصعاب كان لـ”صخر وهاشم وفيصل وسهم وسيف وجلمود وكلب وحمار وحنظلة وقتادة وغدير وبحر والعاصي وحرب وشهاب وحنش وليث ونمر وضِرْغام..” نصيب في تسمياتهم التي اختلفت باختلاف ظروف الطبيعة وشروط البقاء بين فترة وأخرى، إضافة إلى العوامل الفكرية والاجتماعية التي كانت تسود تلك البيئة وطريقة إنسانها في التواصل والتعاطي معها حسب جغرافيتها ومناخها، محققين بذلك قول “ابن خلدون” بأنّ “الانسان ابن بيئته”, إضافة إلى تسمياتهم بعكس صفات الموصوف تجنباً للأذى والحسد وحماية من عين الحاسد فأطلقوا “قبيحة وسوداء وزبيبة وعاصية وحيّة..” على الجميلات منهن، كما سمّوا أبناءهم بأسماء تدبّ الخوف والمهابة في قلوب أعدائهم ، في حين لقّبوا عبيدهم بالأشياء المحببة لهم مثل “مرجان وكافور وياسمين وورد..”.
من هنا بات للأسماء وتطورها عبر العصور تاريخ يستحق التدوين واهتم بها المؤرخون والمؤلفون منهم “ابن دريد الأزدي” في كتابه “الاشتقاق” و”ابن تغري بردي” في تاريخه “النجوم الزاهرة” و”السخاوي” في كتابه “الضوء اللامع”. ويرى المؤرخ “شهاب الدين القلقشندي” في كتابه “نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب” أن “أغلبية أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه”، كما يقول “الجاحظ” في كتابه “الحيوان” إن “العرب إنّما كانت تسمّي بكلب وحمار وحجر وحنظلة وقرد..” على التفاؤل بذلك. في حين يرى المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه “المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن أسماء العرب “من الموضوعات التي لفتت إليها الأنظار لما في كثير منها من غرابة وخروج على المألوف”، وقد أشار إلى اهتمام المستشرقين أمثال “وليام روبرتسون سميث” بهذا الأمر وملاحظتهم له.
وقد دفع الإسلام فلسفة التسمية في التفكير العربي إلى آفاق أرحب لتتلاءم مع مقتضيات التوحيد والشريعة وخصال البر وقيم المجتمع العابر للقبيلة واهتمّ الرسول الكريم بذلك وتدخل به تدخّلاً مباشراً وغيّر الأسماء القبيحة والقاسية مثلاً “سمّى حرباً سِلماً” و”حَزناً سهلاً”.. ولم يقتصر هذا التغيير على الرجال فقط بل تعداه إلى النساء لكنه جعل أمر الاسم من شأن الإنسان وخصوصيته وهو حقُّه وحقُّ أبيه، فالأمر بتحسين الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب.
فقد أمر بتسمية المولود باسم حسنٍ، لأن الاسم الحسن يترك انطباعاً حسناً لصاحبه وللسامعين، كما نهى عن تسميته باسم قبيح أو باسم غير جائز شرعاً حين قال: “أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن” و”لا تُسمِّينَّ غلامَك يَساراً، ولا رَباحاً، ولا نَجيحاً، ولا أفلحَ، فإنك تقول: أثَمَّ هُوَ؟ فلا يكون”. ولم يَكُن اعتناؤه بالاسم الحَسَن مقتصراً على الأطفال فقط، بل كان للرجال والنساء والعجائز وأسماء بعض القرى والأماكن إذا كان اسمها قبيحاً أو سيئاً، فسمى قرية “عَفْرَة”: خضِرَة, وسمّى “يثرب”: المدينة، وطابة، وطيبة. كما غيّر بعض الأسماء فسمّى “جثامة”:حسانة و”عاصية”: جميلة و”شهاب”: هشاماً و”أصْرم”: زُرْعَة و”عبد الحجر”: عبد الله”.
من هنا تلعب الأسماء دوراً في التعريف الأولي عن المسمّى، فلنحرص على انتقاء أحب وأجمل وأحمد الأسماء لفظاً ومعنى لتدخل البهجة والثقة والأمل في نفوس من تسمّوا بها لأنّه مهما يكن من أمر الاسم يظل “لكل امرئ من اسمه نصيب”.