لبناء ذاتٍ أكثر تفاعلاً
سلام الفاضل:
إن صناعة الإنسان المتمثلة في بناء الذات وتطويرها الدائم، هي المهمة الأولى والأقدس في رحلة الحياة الطويلة والشاقة، فالإنسان هو عماد الحياة، والكائن الوحيد الذي تقع عليه مسؤولية بناء المجتمع وإدارة الحياة، لذلك لا بد له من خوض رحلة مفعمة بالعزيمة والإرادة، ينطلق فيها من أعماقه، متوخياً معرفة النفس ومكنوناتها وهويتها الإنسانية، معرفةً تُعدّ المدخل إلى تطوير الذات من خلال اكتشاف الطاقات والاستعدادات، والعمل على تطويرها وتسخيرها بكفاءة وفاعلية للوصول إلى الهدف المنشود، والعمل في هذه الرحلة على تلمّس مراكز الخلل والضعف في شخصيته، والسعي إلى إصلاحها، لتكون مقدمة لمعرفة وإصلاح الآخرين.
فالنفس البشرية تحتاج بشكل دائم إلى التزكية والتهذيب، كما تحتاج الذات دائماً إلى التنمية والتطوير، وفي هذا السياق يأتي كتاب (نحو بناء الذات وتطويرها) لمؤلفه د. محمد نظام، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ويبحث في رحلة الحياة الغنية والخصبة، التي تبدأ من مرحلة معرفة الذات، لتصل إلى مرحلة شباب الشيخوخة، مروراً بمحطات حياتية عدة.
يتناول هذا الكتاب أسرار تطوير الذات البشرية عبر أربعة أبواب، ينسحب كلٌّ منها على عدد من الفصول، ويُسلّط الباب الأول الضوء على الإنسان بصورة عامة مُعرّّفاًً له، ومم يتكوّن، وعارضاً لمحطات عدة في تطوير الذات، لينتقل إلى الحديث عن محطات في تطوير المجتمع، وأسرار التميّز والنجاح، وقواعده ومفاتيحه، ومتطلبات الشخصية الناجحة. ليركّز الباب الثاني موضوعه على قيمة الوقت، وأهم السبل الصحيحة لاستثماره بشكل فعّال، وسر النجاح في ذلك، حيث يمهّد المؤلف لفصله هذا بالقول: “إن إدارة الوقت مفهوم علمي متداخل يتطلب إدارة صحيحة لوقت الفراغ والراحة والعطل الأسبوعية والسنوية، كما أن الحفاظ عليه يتعلق بتوجيه الطاقة الإنسانية بفاعلية لتحقيق هدف منشود ضمن زمن محدد”. ثم ينتقل هذا الباب في فصليه الثاني والثالث ليتناول أهمية القراءة ووظائفها، وفنونها وأشهر أساليبها، وأصناف القرّاء؛ إلى جانب الحديث عن العمل التطوعي مفهوماً وثقافةً، وأسباب ابتعاد شباب مجتمعاتنا عنه، وأساليب جذب المتطوعين إليه، وميادينه ومسؤولياته، والمنافع التي يعود بها على المتطوعين والمجتمع بشكل عام.
في حين يستعرض الباب الثالث فن التواصل مع الآخر وقواعده وأخلاقياته، وثقافة الحوار والانفتاح وعلاقة الإنسان بهما، والأسباب المباشرة الكامنة وراء محاصرة العقل والانغلاق، إلى جانب تقديم مقارنة بين الإدارة والقيادة، وعرض أنماط القيادة وأوجه الاختلاف بين القائد والمدير، والبحث عن صفات الشخصية القيادية لتنميتها وتطويرها. ويضع الباب الأخير مواقع التواصل الاجتماعي تحت مجهر البحث مستعرضاً سلبياتها وآفاتها، ويقدم دراسات وابحاثاً حول مفهوم شباب الشيخوخة، ووسائل للمساعدة في التغلب على صعوبات ومشكلات الحياة، وكيفية الموازنة بين عمليات الإصلاح والدمار في الجسم، كما يجيب عن سؤال يقض مضجع الجميع، وهو: كيف نعيش بروح الشباب على مدى الحياة؟.
إذاً هو كتاب مهم يقدم في ثناياه عدداً من التوصيات والآراء التي تسهم في صقل شخصية الإنسان دفعاً لها لتكون أكثر مرونة وتفهّمّاًً وتطوراً وتعايشاً مع الحياة وأسرارها.