بين الفينة و”أختها”، تطفو تلك “الذبابات” التفاؤلية المكبوتة إلى العلن، متكئة في ظهورها “خفيف الظل” إلى مقدرات اقتصادنا المهدورة، مقاومة الواقع المعيش الذي يطل برأسه بقوة، وهو أمر يصعب تجاهله في ظل ارتفاع مؤشراته لحظياً، لكن في المقابل يخطر على البال إمكانية التغلب على ظرفنا الصعب عند رؤية منتجات أرضنا تملأ الأسواق في هذه الأوقات برغم أسعارها الفلكية.
ويزداد هرمون “التفاؤل” عند مشاهدة الفلاحين يحصدون محاصيلهم كالقمح وسماع تلك الأخبار المفرحة حول زيادة الكميات المسوقة على نحو يمكننا من الاستغناء التدريجي عن استيراد القمح الذي كانت البلاد تنتج منه قبل الحرب نحو 4 ملايين طن.
واليوم بعيداً عن برستيج المؤتمرات والاجتماعات “المعطرة” نرى ورشة عمل فعلية، يتولى إدارتها بإتقان الفلاح، وقد يكون نشاطها المنتج وراء موجات التفاؤل الواردة التي« تعشِّمنا» بالفرج المنتظر قريباً، وتدفع أقلام وأصوات الإعلاميين والخبراء المختصين لرفع الصوت عالياً والمطالبة بتقديم جرعات دعم زائدة للقطاع الزراعي، وتحديداً المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن عبر زيادة أسعار مجزية وتقديم كل مستلزمات الإنتاج، مع إعفاءات وقروض ميسرة وتسهيلات إضافية تشجعه على زراعة أرضه، وهذا فيه خيرٌ كثير سيعم على الفلاح والمواطن والخزينة، و يأمل بذلك أن تنتهي حقبة صرف مليارات الليرات على استيراد هذه المنتجات وتوجيهها صوب الزراعة المحلية والخلاص من كابوس الاستيراد وتبعاته الخطيرة، ما يتطلب سرعة في تفعيل الرؤية المعلنة بخصوص دعم الزراعة والصناعة والاتجاه صوب التصنيع الزراعي، على نحو يمنع التحكم بصناعة خبزنا من دولٍ لم تترك وسيلة لحصارنا والتضييق على معيشتنا، إذ نسهم ببعض القرارات الخاطئة بمنحها هذه الفرصة على “البارد المستريح”.
الخلاص من أزمتنا الاقتصادية والمعيشية يبدأ من نصرة الفلاح وشريكه الصناعي، وإجزال الدعم لهما، لكونه سيعود أضعافاً، ولنا في الثمانينيات تجربة تستحق التكرار وتحديداً دعم محصول القمح، الذي رفع سعره أضعاف سعر استيراده، الأمر الذي دفع الفلاحين وقتها إلى زراعة كل شبر أرض حتى امتلأت صوامع الحبوب، فمن هنا يبدأ كسر الحصار وحماية لقمتنا وزيادة البركة في جيوبنا، ما يتوجب رد غطاء الدعم والرعاية إلى أهله المستحقين بدل تلبيسه لغير ناسه من تجار ومستوردين، فـ«ثوب العيرة ما بيدفي», وإن قُدَّ من خيوطِ الحرير، فالإنتاج هو الحل وإن اعترض المنتفعون.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات