خبير اقتصادي لـ”تشرين”: موضوع الأسعار لا يمكن فهمه اقتصادياً ولا محاسبياً
يسرى ديب:
تتجاوز الأسعار في الأسواق المحلية حركة سعر الصرف، ورغم أن سعر الصرف شبه ثابت منذ مدة طويلة، إلّا أن ارتفاع الأسعار لم يتوقف، ما يشكل ظاهرة غير مفهومة اقتصادياً، مع طلب منخفض نتيجة انخفاض القدرة الشرائية!.
الخبير الاقتصادي ماهر أدنوف وصف لـ«تشرين» موضوع الأسعار في بلدنا بالموضوع الغريب والعجيب الذي لا يمكن فهمه اقتصادياً ولا محاسبياً.
وقال: ما يشاهد في أسواقنا لا يستطيع أي عالم أو جاهل فهمه، لأنه في كل يوم هناك سعر، وسعر أعلى من قبل.
وذلك من دون أن يكون هناك ارتفاع في التكلفة ولا حتى زيادة الطلب، وحتى لو كان هناك ارتفاع في التكاليف، فإن ارتفاع الأسعار لا يتناسب مع نسبة ارتفاع التكاليف، والتي تكون غالباً في بند من بنود التكلفة.
تحسب ألف حساب
أضاف أدنوف: كما نعلم جميعاً أن السعر يتحدد بشكل أساسي بناء على التكلفة، إضافة إلى نسبة معينة من الربح مع الأخذ بالاعتبار عوامل العرض والطلب والمنافسة.
وبالتالي ارتفاع التكلفة يرفع السعر بنسبة ارتفاع التكلفة نفسها، والتي من المفترض أن تكون متدرجة و من دون خسارة الحصة السوقية من الزبائن نتيجة رفع السعر، أي إن معظم الشركات وفي كل دول العالم تحسب ألف حساب عندما تريد أن ترفع السعر.
لذلك أرى أن ارتفاع الأسعار يعود بالدرجة الأولى إلى غياب شبه كامل للأجهزة الرقابية، وجشع التجار والصناعيين، والسبب الأهم هو طريقة فهمهم للعمل التجاري، فمثلاً يسعّر أحد التجار بضاعته على الدولار بسعر 5000 ليرة, رغم أن السعر ثابت على 3600 ليرة (طبعاً التسعير على سعر السوق السوداء)، وذلك تحسباً لارتفاع الدولار فهو برأيه يجب ألّا يخسر، بل يجب ألّا تقل أرباحه عن مبلغ معين يعوّضه أي طارئ مستقبلي يمكن أن يحدث.
لا علاقة للأسعار بالدولار
وبيّن أدنوف أنه لا يرى أن موضوع سعر الدولار هو المؤثر الأساسي في ارتفاع الأسعار، فهناك الكثير من السلع الوطنية بكل مكوناتها ترتفع أسعارها ولا علاقة لها مع سعر الدولار.
وقال: لابدّ من تأكيد أنه لا يوجد زيادة في الطلب على السلعة حتى ترتفع الأسعار، فمستوى الدخول لدى معظم المواطنين ثابت ومنخفض، ولا يلبي شراء حاجاتهم الأساسية، ولن يستطيع زيادة استهلاكه من السلع مهما كانت كمية العرض من السلع، فهو يعيش على حدود الكفاف.
وأشار إلى أن دراسات أحد المراكز الإحصائية بينت أن 85% من المواطنين تحت خط الفقر، وخاصة أصحاب الدخل المحدود.
ويرى أدنوف أن تفعيل عمل الأجهزة الرقابية على الأسعار بشكل حقيقي وليس شكلياً لا أثر له كما يظهر الآن في الأسواق، مع إن قيامهم بدورهم الحقيقي يسهم بخفض وطأة الجشع في رفع الأسعار.
فمثلا تسعيرة ليتر الزيت رسمياً 8500 ثم 9500، بينما تعرض في المحلات والأسواق الرئيسة بسعر 16 ألف ليرة من دون أي خوف أو ارتباك، فهل هناك رقابة، وأين هي؟..
يقدم الحجة للتجار
وطالب أدنوف بضرورة تحقيق الاستقرار في التشريعات والقرارات التي تصدر هنا وهناك، ووصف عمل هذه القرارات بفعل منفاخ الهواء على الجمر، فكلما هدأ السوق، واستقر وتعايش المواطن مع الأسعار الجديدة والمرتفعة، يصدر قرار حكومي يشعل السوق ويحرق جيوب المواطنين ويعطي حجة للتجار برفع الأسعار، فتارة أسعار الكهرباء، ثم المازوت، ثم البنزين، ثم رفع الدعم وإعطاء الدعم…إلخ.
لذلك نرى أن تحقيق التوازن والاستقرار بين مختلف الجهات الرقابية والتشريعية فيما يخص الأسعار والأسواق هو السبيل الوحيد لضمان مستوى أفضل للمواطن المحترق من ارتفاع الأسعار…