السكن المشترك يخفف عبء الإيجارات على الشخص الواحد
أصبح امتلاك بيت مستقل حلماً لكثير من العائلات الشابة التي تعاني من تضخم الأسعار وغلاء المعيشة، فحتى استئجار منزل في الوقت الراهن ليس بالأمر السهل، لذلك يجد البعض في السكن المشترك حلاً اقتصادياً يساعدهم على التناوب بتسديد إيجار البيت، وتقاسم فواتير الماء والكهرباء والغاز، فخلال الحرب على سورية خسرت الكثير من العائلات بيوتها ووجدوا في السكن المشترك عزاء لما أصابهم..
الدكتورة منى كشيك اختصاص تربية عامة من كلية التربية في جامعة دمشق بيّنت أن الإنسان يميل إلى أوقات يستأنس فيها مع ذاته وأفكاره، يتأمل تارة ويمارس هواياته تارة أخرى، والأهم من ذلك حاجته إلى تنظيم أوقاته حسب برنامج يومي يعتاده، وبطبيعته فإن أوقات النوم والاستيقاظ تدخل في صميم خريطة تحركات الإنسان، ويمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على تركيزه الذهني أثناء تعامله مع الآخرين، لذلك فإن طبيعة المسكن تتحكم بشكل أو بآخر بمزاجية الأفراد، غير أن المسكن المشترك يضعنا أمام معطيات لا شأن لها بما ذكرناه ويفجر الكثير من التساؤلات ترى ما الذي يدفعنا لأن نقبل بشريك يقاسمنا هواء الغرفة؟.
ما هو حجم الخلافات المترتبة على هذه الشراكة؟ وهل هي حتمية تفرضها الظروف أم إنها تخضع لمعايير الاختيار؟.
المسكن المشترك هو نتيجة طبيعية تتعلق بانخفاض مستوى الدخل وخاصة للأشخاص ذوي الدخل المحدود، ما يدفعهم إلى التفكير بمشاركة الآخرين والإقامة معهم في غرفة واحدة أو بيت واحد، وهم بذلك يجنبون أنفسهم تحمل قيمة الإيجار بمفردهم، وهناك أسباب أخرى للسكن المشترك هو حرص الأفراد على أن تكون لهم مدخرات تساعدهم في الأوقات الطارئة، علاوة على أن لديهم التزامات كثيرة تجاه أسرهم وأنفسهم، كشراء الملابس والتنقلات الشخصية، ولكن مقابل ذلك تنتج مشاكل وخلافات بين المشتركين كأن يريد أحدهم أن ينام مبكراً بحكم عمله الذي يبدأ في الصباح الباكر، ومنهم من يريد مشاهدة التلفاز أو سماع الأغاني بصوت مرتفع، ما يسبب مضايقة الآخرين، وقد تصل في بعض الأحيان إلى التشابك بالأيدي، وهذه نتيجة حتمية لاختلاف الطبائع البشرية وتفاوت الثقافة بين الأفراد.
ومن المعروف أن الأسر التي تبحث عن سكن لا ترغب في استئجار شقة بجوار سكن مشترك، سواء كان للفتيات أو للشباب، والسؤال الذي تطرحه العائلات هو ما إذا كان بالبناية سكن مشترك للشباب، فهم على معرفة سابقة بمدى الازعاج الناجم عن الأصوات العالية، حتى تدب الخلافات بينهم، أضف إلى الأضرار النفسية للأفراد وعطائهم في مجال عملهم، فالبعض يذهب إلى عمله متأخراً ومتضايقاً ولا ينتج بصورة فعالة وسلوكه مع زملائه غير سوي.
أما الخلافات المادية بين السكان فهي كثيرة، فمثلاً في حال خروج أحد الساكنين لرغبة خاصة لديه أو لانتقاله إلى مكان عمل بعيد، هنا تنشأ النزاعات المادية حول فاتورة الكهرباء المتأخرة، وكذلك تصفية الإيجار المستحق لحين العثور على شريك آخر.
بدورها اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة غنى نجاتي بيّنت أن كل شيء في الحياة له سلبيات وإيجابيات، فتجربة السكن المشترك لها تداعيات نفسية واجتماعية وثقافية على كامل الأسرة، فلكل أسرة عادات وتقاليد وطقوس وأوقات لتناول الطعام وللنوم والسهر، وليس من المستبعد ألّا تتفق كل الأسر المتعايشة في السكن نفسه على الروتين نفسه، فمثلاً قد تكون أسرة لديها أطفال في المدرسة، وتالياً ينامون باكراً للاستيقاظ والاستعداد للمدرسة، بينما الأسرة المقيمة معهم تفضل السهر والطهو ليلاً، ما يشكل ضوضاء وضجة قد ينشب عنها خلاف بين الأسرتين، وكذلك وجود مطبخ وحمام مشترك يعقّد الأمر أكثر، فقد تفضل الأسرة الأولى التنظيف الفوري لكل غرض والترتيب المستمر، بينما قد تفضل الأسرة الثانية تجميع كل المهام المنزلية ليوم واحد فقط في الأسبوع، وعدا عن هذه الخلافات النفسية قد يجد رب الأسرة نفسه محلّ مقارنة مالية دائمة مع ربّ الأسرة المقيمة معهم، بتفاصيل عن تلبية حاجات الأطفال المادية، وشراء مستلزمات جديدة، ما يشكل توتراً وإزعاجاً يتجلى بالشعور بالتقصير والإحساس بالذنب لدى الأب، وقد لا يتفق أطفال الأسرتين معاً، ويصبح النزاع والمشاحنة السمة الدائمة على استجاباتهم، وربما تصبح الأمور شائكة أكثر عند رغبة أحد الأسر بدعوة بعض المعارف والأصدقاء للسكن، وممانعة الأسرة المقيمة لذلك، ما يعكس شعوراً بالتقييد وفقدان الحرية الشخصية والافتقار للمساحة المستقلة لكل أسرة، فيؤثر على علاقاتها الاجتماعية وعلى إحساسها بالرضا عن نوعية حياتها الأسرية .
أما الجانب الإيجابي فقد تكون الأسرتان تحملان قواعد وجدانية متشابهة فيحدث الدمج بين الأسر كنتيجة للتكيف الحياتي بينهما، ويشكل أفراد الأسر دعماً نفسياً واجتماعياً لبعضهم فيتعاونون على إنجاز المهام معاً ويصنعون ذكريات أسرية سعيدة تعينهم على هموم الدنيا ومشاكلها، ولعلّ تقاسم الفواتير وإيجار السكن هو أكثر عامل مريح ومساعد على ترسيخ الاستقرار والسكينة والتخفيف من التوتر. وبرأيي فإن وجود معايير واضحة وصريحة يساهم كثيراً في تلافي العديد من المواجهات السلبية، فيجب وضع جدول يوضح مهمة كل فرد بكل أسرة، وقواعد راسخة لتنفيذها وتطبيقها، مع التركيز على فكرة الحقوق والواجبات الإنسانية للتعايش المشترك، وأن يكون الاحترام هو سيد المواقف، فليس من الضروري أن ينشأ الحب والود بين أطراف الأسرتين ولكن من الضروري أن تبقى المساومة والاحترام بينهما.