“مع وقف التنفيذ”
إذا كانت الإجابة على سؤال “هل يُولد المرء شريراً أم يصبح كذلك بتأثير البيئة والتجارب؟”، تحتاج بحثاً، يتناول كلّ شخصيةٍ على حدى، فما قدمه صنّاع مسلسل “مع وقف التنفيذ”، المخرج سيف الدين السبيعي والكاتبان يامن الحجلي وعلي وجيه، الذي يدور في فلك هذا الاستفهام، بما فيه من شخصياتٍ شريرة، تختلف مُبرراتها ومفاهيمها، وإن كانت معظمها، تتكئ على قوانينها الخاصة، فيما تفعل وتقول.
في الحلقات الماضية، ساقت لنا الأحداث، ما يصح أنه أسبابٌ، أو خلفية لتلك الشخصيات، مُلابسات النشأة والدوافع التي قادتها في النهاية إلى ما صارت عليه، أصبح الشر نهجاً لعددٍ منها، في تعاطيها مع مُحيطها، مَن احتاج المال، لعلاج زوجته، اضطر لتأجير آليات الدولة، المُؤتمن عليها، ومَن وجدت نفسها غير قادرة، على رعاية أبنائها، في غياب زوجها، تركتهم وسافرت، وهناك من وجدت نفسها، ضحية صفقةٍ بين والدها وشابٍ، حاول اغتصابها.
هل يُفترض بمن تعرض للظلم أو القهر، أن يُعيد إنتاجهما، وتوجيههما تجاه الآخرين؟، أو أن الشر كسلوك مُستمرٌ دون توقف، كونه يُغذي نفسه بنفسه، طالما أنّ أحدهم يشعر بالغبن أو بأنّ الحياة مدينةٌ له؟. في العمل، الإجابة “نعم”، ولذلك يُمكننا التعاطف نوعاً ما، مع شخصياتٍ وجدت نفسها عاجزة، مُرغمة، مظلومة. لكنها، تخسر تعاطفنا، عندما تصبح مصدراً للشر، تنحاز له، رغم عدم حاجتها إليه.
خارج هذا النسق، قدّمت الفنانة سلاف فواخرجي، شخصية “جِنان”، تربّت على يد أبٍ مُحب، مُلتزم دينياً وأخلاقياً، لا شيء في ماضيها يُربي الشرور أو يُؤسس لها، لكن الشر مُتأصلٌ فيها، جزءٌ من تركيبتها، وفلسفتها في الوصول إلى ما تسعى إليه، من ثراءٍ وسلطة، تبدأ موظفة بسيطة في الاتحاد النسائي، تبيع الثياب لزميلاتها، تسعى للترقية بأي ثمن، تتورط في سرقات وعمليات نصب، تتعاون مع أحد المشعوذين، ولا تتردد في ارتكاب المزيد من الأخطاء، تصل بها في النهاية إلى القتل.
اللافت في شخصية “جِنان”، إدراكها لكل ما تفعله، بشعورها أحياناً بالحنين إلى والدها الرافض لسلوكياتها، أو انفعالها خلال التخطيط لقتل زوجها، ومن ثم، إقدامها على شرورٍ جديدة، بعد تخطيطٍ ودراسة، بوعيٍ وحرصٍ كبيرين، ولأنها لا تمتلك خطوطاً حمراء، تبدو صادقة مهما استهجنا غطرستها، قريبة مما نراه بيننا، تستمتع في الشر الحي في نفسها، ولا تعنيها النتائج.