ثقافة الأهل ودورها في رعاية الأبناء في فترة المراهقة
تعد فترة المراهقة مرحلة نمو مهمة في حياة الفرد، وإن لم تكن أهمها على الإطلاق، وحتى إن البعض يعدها بدء ميلاد جديد للفرد، وتعد هذه المرحلة طويلة نسبياً حيث تستمر مدة تسع سنوات.
أ. د. غسان خلف كلية التربية قسم أصول التربية «علم اجتماع تربوي» بيّن أن على الأهل الاستفادة من طول مدة المراهقة في تهيئة الظروف المناسبة لنمو أبنائهم وبناتهم المراهقين، حتى يمكن لكل منهم أن ينمو النمو السوي والسليم، ما يجعل العلاقات بين الآباء والأبناء على أساس الفهم الواضح والعميق للتغيير، الذي يمُّر به المراهق ويتأثر به، وهذا يساعد المراهق على عبور الهوة بين الطفولة والشباب بسلام ويسر؛ ويتوقف على الأسرة ووسطها الاجتماعي، وثقافة الآباء والإخوة لأن كل ذلك ذو تأثير واضح في صورة المراهقة؛ حيث يؤكد البعض ضرورة الاعتراف بأهمية المجال الاجتماعي للأسرة لتحديد سلوك المراهقة، إذ إن المجال الاجتماعي للأسرة يتمثل بالمستوى التعليمي للوالدين، وثقافتهم ومستواهم الاقتصادي، وأثره في التنشئة الاجتماعية التي مارسوها مع الأبناء منذ مرحلة الطفولة، إضافة إلى العوامل البنيوية الاجتماعية للأسرة، التي قد تلعب دوراً في ثقافة الأسرة وكيفية تعاملها مع الأبناء في فترة المراهقة.
وبيّن د. خلف أن جهل بعض الأسر في كيفية التعامل مع مرحلة المراهقة قد يرجع إلى اعتبار أن هذه المرحلة كأنها مرحلة مرضية وتعاسة لها؛ إضافة إلى عدم اقتناع الأهل بأن المراهقة مرحلة نمو طبيعية كغيرها من مراحل النمو التي يمر بها الأبناء، وعدم تقبل الأهل للتغيرات التي تطرأ على المراهق برغم أن التغيير آت لا محالة.
وقال د.خلف: أساليب التنشئة الاجتماعية التي يتبعها الآباء في تربية الأبناء من مرحلة الطفولة، والتي تنعكس على حياته فيما بعد، وخاصة أن بعض الأساليب التربوية المتبعة من قبل الأسر تعد من أخطر عوامل الجهل في التعامل مع المراهقين، ما قد يجعل تلك الأساليب كعوامل أسرية ومؤثرة في النمو الاجتماعي؛ فعلاقة الطفل بوالديه تؤثر في مراهقته، فإذا كان مدللاً في صغره فسوف يظل طفلاً في مراهقته يعجز من الاعتماد على نفسه، وينهار أمام كل أزمة تواجهه ويشعر بالنقص؛ وفي حال كان منبوذاً في طفولته فإنه يميل إلى المشاعر والخصومة، ويحاول جذب انتباه الآخرين بفرط نشاطه وحركته.
وفي ظل ذلك فإن إلمام الأهل بالخصائص التي تميز مرحلة المراهقة التي يمر بها أبناؤهم قد تساعد الآباء على تفسير وفهم الحالات المختلفة التي يمر بها المراهق وتمكنهم من إكسابهم السلوكيات المناسبة لهم.
لذلك على الأسرة اتباع عدة آليات للتعامل مع المراهقة حتى تحقق له التكيف الاجتماعي السليم، والنمو الصحيح اجتماعياً وعقلياً ووجدانياً وانفعالياً ومنها: إدراك الأهل لجوانب القوة في شخصية المراهق ما يساعد على بناء البرامج المناسبة لنمو قدراته، ومعرفة جوانب القصور بما يساعدهم على اختيار الأسلوب المناسب في التعامل معه.
اتباع الأهل الأساليب التربوية الصحيحة في التعامل مع المراهق، بما يحقق له مطالب النمو السليم وتجنب العقبات التي قد تواجههم مستقبلاً.
معاملة الأبناء بطريقة تحقق لهم النمو السوي، فعندما يدرك الوالدان أن المراهق يمر بتغييرات جسمية كبيرة تنقله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، فإنه سيعامله على أنه لم يعد صغيراً، بل عليه معاملته معاملة الكبار مع شيء من الحذر.
وتهيئة المراهق للمرحلة المقبلة من حياته التي تمتاز بسرعة التقبل للأفكار والمبادئ والتسرب للأخلاق والسلوكيات، بحيث يقدم لهم ما يناسبهم ويشبع حاجاتهم الفكرية وتوجيه الأبناء حسب طاقاتهم الجسمية وقدراتهم العقلية، وضرورة تغير أسلوب التعامل معهم ومحاولة التقرب منهم، والتأثير عليهم قبل أن يقعوا تحت تأثيرات أخرى خارج الحضن التربوي الأسري السليم.
وفضلاً عما ذكر من آليات للتعامل مع المراهقة، فإن هناك عدداً من المطالب التربوية المهمة والواجب على الأهل مراعاتها أثناء تعاملهم مع المراهق، وهي بحسب د.خلف: بناء مفهوم جيد عن الذات، بمعنى؛ إذا كانت نظرة من حوله إيجابية فسوف ينظر هو لنفسه نظرة إيجابية والعكس صحيح.
إشعاره بالمحبة والحنان وضبط النفس, وتقبل المراهق كما هو مع السعي لتعديل ما يظهر عليه من سلبيات وإشعاره بالأمان, وبناء اتجاهات سليمة نحو الآخرين .
ومن دون تلك المطالب قد لا يستطيع الأهل تحقيق كثير من التقدم مع المراهق، وقد يفلت الزمام من يد الأهل، فيفقد المراهق أو يجد هوة بينه و بينهم ما يوقعه بالمحظور فيضطرب أو يجنح إذا لم يجد بديلاً مناسباً لتلبية حاجاته ومطالبه.