انتفاضة القدس ويوم الأسير.. فصول جديدة من الملحمة
حين تبطش آلة الاحتلال بالعزَّل في أماكن العبادة وفي الشهر الفضيل، بقسوة وحقد ومبالغة في الإهانة؛ تعنيف الأطفال والنساء وكذا الآباء أمام صغارهم، لقوات احتلال جبانة، ونمط من العنف يؤكّد هشاشة كيان قائم على التمكين الإمبريالي والاستكبار العالمي، فذلك ليس فقط استفزازاً لمشاعر أمّة عريضة، بل هو مؤشّر على اقتراب تسليم مفاتيح المستوطنات، والأرض التي تمّ اغتصابها ميراثاً من وعد بلفور، ومن الاحتلال البريطاني الذي لطالما وقّع وأمضى إدارياً على الأوراق الرسمية باسم فلسطين.
الفلسطينيون يؤكدون يوماً بعد يوم، وجيلاً بعد جيل، أنهم شعب حيّ، مناهض للاحتلال، صامدون، وهذه حقيقة ساطعة، حيث كل جيل يضيف إلى مكاسب الجيل الماضي مزيداً من شواهد الصمود والفداء. وهذا هو منبع الأمل، والتفاؤل الذي تمنحه الانتفاضة والمقاومة، والروح التضامنية التي تحرسها الشعوب والضمائر الحيّة، فالقضية الفلسطينية لن تموت في ضمير العرب ولا في ضمير المسلمين ولا في ضمير أحرار العالم.
معظم الشعوب عبّرت ولا تزال عن انحيازها لقضية الشعب الفلسطيني، ومعظم الدول العربية متلكّئة غائصة في مشاكلها الخاصة، ولأنّ جامعة الدول العربية فشلت في أن تحمي الميثاق العربي، وتنزله في شكل مشاريع قوانين، لعلّ أهمها العمل على دسترة الفعل التضامني العربي، وأولوية فلسطين التي هي ليست دعوة مجانية، بل كان يفترض أن تتكيف السياسات العربية مع هذا المطلب، حيث ساهمت السياسات العربية في تقويض أولوية فلسطين في الأجندة العربية، واستفحل شيطانهم حتى تمزقت أوصالهم فوجدوا أنفسهم داخل معترك عربي-عربي، هم ماضون فيه بالكيد والتآمر والمزايدات والكذب على الشعوب، وكان ذلك كافياً لأن يمكن للإمبريالية استغلال الكيد العظيم بين العرب لمزيد من التخريب. لا تكون القضية الفلسطينية أولوية حتى تكون عاملاً حاضراً وأولوياً في اختيارات السياسات. القضية الفلسطينية قضية واضحة، لا منّة لأحد عليها بل هي تمنّ على العرب بكونها واصلت الصمود في وجه أخطر مشاريع تخريب المنطقة.
دعكم من كيد الكائدين، فأنتم طليعة التحرر، نفتخر بثورتكم، ونمجد تاريخكم، ونتابع ملاحمكم، والاحتلال إلى بوار حتمي، ونهاية وشيكة، والنّصر للمستضعفين في الأرض، غداً سنكتب تاريخ كيان مفكّك، ككل الحوادث التي تلاشت في سديم الزّمن، أنتم آخر الفرسان، ولا أحد يملك أن يغيّر ملامح الأرض وقوانين التّاريخ، معكم الحقّ كله ولهم الباطل كلّه ولكم المستقبل كله.
التحية لنشامى فلسطين، للذين يساندون المقاومة بالفعل والدعم المادي والمعنوي ويربطون مصيرهم بمصيرها، من دون مزايدات فارغة، ولغة الكيد المسموم. نشدّ على أيادي النشامى ونبوس الأرض تحت نعالكم، ونقول: نفديكم بعقل مكين وقلب سليم، وروح الفرسان وصفاء ملائكة القدس..
كاتب من المغرب