الحكواتي.. شخصية رمضانية.. هل ستندثر بفعل التكنولوجيا؟
الحكواتي …الراوي أو القصّاص هو شخص مثقف فنان متقن لعلوم عدة، أهمها علوم الصوت ولغة الجسد، وبثقافته وفنه امتهن سرد القصص والحكايات الشعبية المشوّقة والهادفة في المقاهي والأحياء الشعبية .
خبير التنمية البشرية وتطوير الذات محمد خير لبابيدي بيّن أن الحكواتي طقس من طقوس شهر رمضان المبارك، فقد كان يحتشد حوله الناس قديماً وخصوصاً في سهرات رمضان ليستمعوا إلى قصصه ورواياته التي كان يرويها بإتقان وبفن أشبه بالفن المسرحي .
حقيقة عرف العالم العربي ومن ضمنه سورية مهنة الحكواتي، منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي ينتظره الناس مع بداية شهر رمضان المبارك من كل عام، على سبيل المثال لم يكن في مدينة دمشق مقهى من المقاهي التراثية إلا وفيه حكواتي يقدم “فترته” التي يقدمها بعد الإفطار، وقد تطول أو تقصر بحسب برنامج المقهى، وأشهر المقاهي التي تعاقبت عليها الحكواتية بالوراثة مقهى النوفرة ؛ والأمر ذاته كانت تعرفه مدينة حلب فقد توارثت عائلات مشهورة هذه المهنة أباً عن جد.
وما شهدته دمشق وحلب ينطبق على باقي المدن العربية، فالحكواتي كان ضرورة من ضرورات التسلية والترفيه في عزّ صعود المجتمعات “المدينية” في تلك المدن منذ بدايات القرن التاسع عشر.
كان الحكواتي نجم سهرات رمضان ومعشوق رجالات وشباب الحي، فهو فنان واسع الخيال يبدأ سرد الرواية أو الحكاية مستعيناً بذاكرته أو قدرته على التأليف، وغالباً ما تكون قصصه ومؤلفاته عن شخصية تاريخية تلعب دور البطولة، وتتحلى بالشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم ومكارم الأخلاق وفي نهاية كل حكاية من حكاياته لا بد أن ينتصر الخير على الشرّ.
وكان الحكواتي دائماً ما يبقي جمهوره في تشويق دائم، وإذا طالت الحكاية لليالٍ وأيام، فإنه كان يحرص على أن تنتهي أحداث القصة بموقف متأزم ويترك البطل في مأزق لتشويق المستمع لبقية الأحداث.
والحكواتي كما ذكرنا أقرب ما يكون إلى الممثل بطبيعة الحال، إذ يضطر إلى تجسيد شخصيات روايته وكلامها بتحريك يديه وترفيع صوته أو تضخيمه.
وكان من أثر التشويق أن بعض الجمهور من المستمعين يرفض الذهاب إلى بيته قبل أن يستمع إلى بقية القصة، ويطمئن إلى أن بطله اجتاز محنته.
وهناك “خبرية” متداولة وعامة، أن أحد المستمعين لم يستطع أن يصبر إلى اليوم التالي، فلحق بالحكواتي إلى بيته ليعرف بقية القصة.
أما أجرة الحكواتي فكان يتقاضاها من صاحب المقهى الذي يتولى تحديد بدل الدخول إلى مقهاه للاستماع إليه وتناول المأكولات والمشروبات، بسعر موّحد.
وإن كانت هذه الشخصية اندثرت إلى حد بعيد بفعل انتشار التلفاز، ومن ثم وسائل التكنولوجيا الأخرى، إلا أن البعض ما زال يحييها في كل رمضان في بعض المقاهي والأحياء من باب تذكير الناس بتراثها القديم البسيط الذي تعشقه وتحن إليه.