تيشوري: الهوة السحيقة بين التكاليف والدخل ستتسبب بإفلاس إداري
قال الخبير الإداري الدكتور عبد الرحمن تيشوري: إن استمرار آلية العمل الحالية في مؤسسات الدولة من دون رأب الهوة الكبيرة بين تكاليف المعيشة والدخل سينتج عنه إفلاس إداري وليس إصلاحاً إدارياً، نتيجة تسرب الكفاءات والكوادر يومياً.
وأشار إلى أن 75% من الموظفين في الدولة يحملون مستوى تعليمياً منخفضاً, ثانوية وما دون، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا عقل الدولة المفكر في عصر الإنترنت والاقتصاديات.
وعن التناقض الذي يظهر بين واقع العاملين في القطاع العام, والأعداد الكبيرة للباحثين عن فرصة عمل فيه قال تيشوري لـ«تشرين»: إن من أسباب هذا التناقض انسداد الأفق, واقتصار فرص التوظيف أمام الخريجين على المسابقات الحكومية الرسمية, فلا يوجد تمويل أو مشروعات خاصة, وهيئة تنمية المشروعات لا تمول الشباب وأصحاب الأفكار, لذلك يحصل هذا الازدحام أمام أي فرصة للعمل.
وأضاف تيشوري: إن عدد المتقدمين إلى المسابقة الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة التنمية الإدارية في محافظة مثل طرطوس فاق 19 ألف متقدم, بينما عدد الفرص المتاحة لا يتجاوز 2600 فرصة.
وذكر أن تحديث نظم الترقية ووضع قانون جديد للمناصب الوظيفية يحل محل قانون العاملين الأساسي باتا أمراً ملحاً, لأن القانون يعود لعام 2004 ولم يعد يناسب المرحلة.
وبيّن تيشوري أن التخبط في طريقة التعيين الذي كان يعتمد سابقاً أساء كثيراً للإدارة العامة, حيث كانت “المحسوبيات والبازارات” هي طريقة الحصول على الوظيفة الحكومية، لكن هذه الطريقة لم تعد مقبولة بعد سنوات الحرب، وأن طريقة الاختيار السابقة والترهل من أهم أسباب الأخطاء الإدارية وسوء الخدمات بل الفشل الإداري في الكثير من الجهات العامة.
وأضاف تيشوري: إن العودة إلى انتقاء الموظفين بمسابقات أمر جيد, بعد تخبط قاتل في التعيين الاستثنائي, والعقود وغيرها من الأساليب التي دمرت الإدارة العامة, ولكن الناجحين المتفوقين في المسابقة إذا جرت بشكل موضوعي وشفاف هم الذين تمكنهم ظروفهم من حفظ المواد الحفظية (الأنظمة ومواد المسابقة) فهذه مواد تعتمد على الحفظ, ولكن من ينجحون في الحفظ غالباً لا ينجحون في الممارسة العملية والوظيفية، وأن النتائج تعكس دائماً نجاح عدد كبير من النساء بسبب توفر ظروف الحفظ لهن أكثر من الرجال.
وقال تيشوري: إن طرق اختيار وانتقاء الموظفين لدينا ليست كافية لإعطاء كفاءات وظيفية جيدة ويجب التركيز على النواحي العلمية والفكرية والجسمية والسلوكية واختبارات الذكاء وغيرها من الأساليب الحديثة لانتقاء أفضل الموظفين وأفضل المرشحين الذين تتوافر فيهم مؤهلات تناسب الوظيفة تماماً, ولا بدّ من دراسة إمكانات الشخص للعمل ودراسة الطباع والأخلاق والعلاقات الاجتماعية وملاحظات المربين والأساتذة الذين درسوا الشخص المرشح ومدى تفوقه في المقررات التي لها علاقة بالوظيفة, وكمثال على ذلك إذا كنا نريد اختيار شخص للعمل في مصرف: يجب أن تكون عنده عدة مزايا منها: مهارة في الحساب الذهني السريع, ومرونة في الأصابع, واستخدام برامج “أكسل” ورزمة العلوم الإحصائية الاجتماعية, وأن يكون مثابراً وليس عصبي المزاج, ولديه مهارات الاتصال والبرمجة اللغوية العصبية, إضافة إلى تخصص علمي في العلوم المالية أو المصرفية أو خريج المعهد الوطني للإدارة العامة.. وعلى هذا المنوال يمكن أن نحصل على جهاز كفء من الموظفين تتوافر فيهم المؤهلات اللازمة للوظيفة ذاتها لأن الوظائف العامة وجدت لخدمة المصلحة العامة والناس والمواطنين, وليس لخدمة الأغراض والمصالح الخاصة، وقد آن الأوان لتطبيق القاعدة التي يعرفها الجميع «الموظف المناسب في المكان المناسب في الزمن المناسب».