يا أيّها المستحيل يسمونك الشامَ!
ينتظر الربيع وحيداً على ضفة بردى.. تعبر الأجساد المتعبة، وينتظر الجميع تلك اللحظة الخالدة التي يتدفق فيها النبع.. تذوب كل الآلام، وتصمت كل الأصوات ويرتفع صوت الفجر، لقد عادت المياه إلى شرايين الشام… أنظر من نافذتي، من النور تولد الشمس، ومن الشمس يولد النهار، ومن بين الأبيض تنهض دمشق كل صباح معطرة بالياسمين ومباركة بدعوات كل من يحبها وهم كثر .
الشوارع مزدحمة، والحماس يتقد، فهذا نهار جديد وهموم العيش كثيرة ،كل يقصد أبواب الرزق من دروب مختلفة ..
يا دمشق اغتسلي بالثلج والبرد، وارتدي ثوبك الأبيض النقي، هكذا كنت في كل العصور مولد النهار العربي ..
بالأمس أطلق الأعداء سهام حقدهم في سمائك فكان رجالك وحماة سمائك وأرضك بالمرصاد وكان ظلمهم هباء منثورا..
يقول بطل مغوار يقاتل ليحمي ترابك: الآن جئتُ من الأحمر اللاحقِ.. اغتسلي يا دمشق بلوني لون النصر .
أفديك أيتها العيون البريئة، أحتضنك ويسيل دمي فداء حبك.. ولي عندك وصية: احتضني أحبابي، افرشي لهم يديك.. من جبل قاسيون يبدأ اللون البرتقالي وعند بردى ينتهي باللون الأزرق والأخضر ..
هذه الأرض الطاهرة حرام على الخونة والمجرمين، وحلال على الأبطال والشرفاء.
يقول فيك الشاعر: يا أيّها المستحيل يسمونك الشامَ !
أفتحُ جرحي لتبتدئ الشمسُ. ما اسمي ؟ دمشق
وكنت وحيداً.. ومثليَ كان وحيداً هو المستحيل
أنا ساعة الصفر دقَّتْ.. فشقَّت.. خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
المحاصر بين المياه.. أنا ساعة الصفر جئت أقول: أواجههم بالسيف أو بتاج الغار.
أعدُّ لهم ما استطعتُ… وينشقُّ من قلبي قمرُ المرحلة وأمتشق المئذنة البيضاء.. أقف أمامهم كالرمح.. يؤرِّقني خنجران:العدوُّ.. وعورةُ طفل صغير تسمّونهُ بردى.. وسمَّيته مبتدأ.. وأخبرته أنني الصباح والمساء
ما أكبرَ الأرضَ! ما أصغَر الجرحَ ..هذا طريق الشام.. وهذا هديل الحمام ..