إقرار قانون الذمة المالية يقترب.. فهل نقول “وداعاً للفساد” ؟
كشفت وزيرة التنمية الإدارية مؤخراً في تصريحات إذاعية عن قرب إقرار قانون الذمة المالية، إذ يطلب من كل عامل في الدولة وبمختلف الفئات تقديم إقرار بما يملك عند التوظيف وعند كل ترقية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الاحتياجات لهذا القانون جاهزة ، وهل سيحدُّ القانون حقاً من الفساد، وما هي آليات تطبيقه؟.
كل شيء جاهز
تجيب زينب كنون مديرة إدارة الموارد البشرية في وزارة التنمية الإدارية بأن جميع الإجراءات والآليات لتطبيق هذا القانون على الأرض جاهزة, حيث تم التحضير لها بشكل متوازٍ مع مراحل إعداد مشروع القانون, كما ستقوم الجهة المعنية بتزويد اللجنة العليا الخاصة بدراسة الإقرارات بقوائم تتضمن أسماء المكلّفين وفق أحكام مشروع القانون خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه، وعلى كل تغيير يطرأ عليها.
وقاية وعلاج
وأشارت كنون إلى أن بواكير عملية الإقلاع بالمشروع الإصلاحي تكمن في تهيئة بيئة تشريعية مناسبة قادرة على ضبط حالات الكسب غير المشروع، وهي عملية وقاية للمستقبل وعلاج للوضع الحالي، وتعد مرحلة انتقال صعبة, لافتة إلى أن احتمال التعرض لمقاومة التغيير وارد وخاصة أن الموضوع لا يتعلق بالوظيفة أو الخدمة العامة فقط بل بثقافة مجتمع بالكامل، متمنية أن يحقق القانون الجدوى المرجوة منه.
إفصاح عن المال والممتلكات
وعن آليات التطبيق بيّنت أنه سيلتزم متولّي الخدمة العامة بالانتخاب أو الوظيفة العامة بالتعيين، وأصحاب المناصب وكبار الموظفين والعاملين لدى القطاع العام، وكذلك أولئك الذين تسند إليهم مهام وظيفية ذات صلة بالمراجعين أو بالمال العام، وفق هذا القانون بوجوب الإفصاح عن ممتلكاتهم وأموالهم المختلفة.
وتابعت : يقدّم المكلّف خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انتخابه أو تعيينه أو تسميته إقراراً عن الذمة المالية له، ويسري هذا الالتزام على المكلّف الموجود بالخدمة خلال ستين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نفاذ هذا القانون، ويلتزم المكلّف بتقديم إقرار جديد بصفة دورية خلال شهر كانون الثاني التالي لانقضاء خمس سنوات على تقديم الإقرار السابق طوال مدة إشغاله للعمل الموجب لتقديم الإقرار كما يلتزم المكلّف بتقديم الإقرار خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انتهاء مهامه الموجبة للإقرار لأي سبب كان.
وأضافت: يجب أن يتضمن الإقرار بيان مصدر الأموال أو الزيادة فيها حسب الحال، وأن يحدد في الإقرار التالي أسباب الاختلاف عن الإقرار السابق، ويتوجب على المكلّف إعلام الجهة المعنية باستلام الإقرار بكل تغيير جوهري يطرأ على الذمة المالية السابقة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ حدوث التغيير.
لجميع العاملين
وأشارت كنون إلى أن العاملين في الجهات العامة كلها سيلتزمون بتقديم إقرار الذمة المالية عند بدء التعيين وعند انتهاء الخدمة ويعدّ الإقرار إحدى الثبوتيات اللازمة لاستكمال إجراءات التعيين، ولتصفية الحقوق التأمينية، مؤكدة أنه لا يحول انتهاء المهام الموجبة (كالتقاعد أو الاستقالة) لتقديم الإقرار وفق أحكام هذا القانون من إقامة الدعوى العامة عن إثراء غير مشروع، ولا تمنع الوفاة من مطالبة ورثة المدّعى عليه بأداء قيمة الكسب غير المشروع في حدود ما آل إليهم من تركة مورثّهم.
اللعب على القانون ممكن
المحامي عارف الشعال توقع أن يكون تأثير القانون محدوداً جداً في الحدّ من الفساد لدرجة يكاد يكون معدوماً، لأن وسائل غسيل الأموال الناجمة عن الفساد كثيرة ومتشعبة ولا يمكن حصرها، حيث بالإمكان بسهولة تسجيل أي ملكيات وأموال ناجمة عن الفساد بأسماء أشخاص آخرين، أو شركات وهمية يمكن إحداثها لهذا الغرض، أو إيداعها على شكل مجوهرات أو معادن نفيسة أو عملة صعبة بصناديق حديدية مستأجرة سنوياً من أحد المصارف، أو غير ذلك من أشكال غسيل الأموال الكثيرة!
إصلاحات مطلوبة
ويرى الشعال أن الفساد المنتشر كالسرطان لا يكافحه نصٌّ يدرج في هذا القانون أو ذاك، وإنما حزمة متكاملة من الإجراءات الإدارية والإصلاحات التشريعية، يأتي على رأسها إصلاح الرواتب والمعاشات، فمن العبث العمل على مكافحة الفساد إذا لم يكن راتب الموظف يكفيه شرَّ العوز، ثم يأتي بعد ذلك سدّ الثغرات والعيوب الجسيمة الموجودة في قوانين عقود القطاع العام، والعقوبات الاقتصادية، والعدول عن سياسة “ادفع لتنجو من العقاب” ! فمن ينتهك القانون مصيره السجن لا أن يدفع غرامات فقط ! ناهيك بوجوب استثناء الجرائم الاقتصادية من أي قانون عفو اعتاده الناس دائماً, إضافة لاستقلال القضاء والنيابة العامة عن السلطة التنفيذية، وغير ذلك من إجراءات كثيرة .
لا خصوصية في الأمر
وعن سؤالنا فيما إذا كان القانون سيحمي خصوصية الأفراد الذين لا يرغبون بالإفصاح عن ممتلكاتهم للعامة قال الشعال: لا يحمي القانون الخصوصية في الملكية والأصل في قيود السجل العقاري هو الإشهار والعلنية وإتاحة المجال لأن يطلع عليها أي كان، السرية الوحيدة التي يضمنها القانون هي السرية المصرفية فقط، وبكل الأحوال بالإمكان إدراج نصوص تحض على حفظ هذه المعلومات في أماكن خاصة لا يطلع عليها أحد مع ترتيب جزاء نقدي (غرامة) على من يفشي هذه المعلومات لغير الجهات الرقابية أو يتسبب بإفشائها بإهماله أو قلة احترازه.
لن يقضي على الفساد
بدوره أوضح الخبير الإداري عبد الرحمن تيشوري أن القانون سيحدّ من الفساد لكنه لن يقضي عليه، لافتاً إلى أن القانون سيجبر أصحاب الذمة الكبار على تقديم إقرار عن ملكياتهم وحساباتهم المصرفية, ما يعني أن ليس للقرار مفعول رجعي، داعياً أن تشمل المساءلة و تلاحق من سرق المال العام منذ عام 2000 وليس من بدء تاريخ الإقرار, لأن مئات المليارات تمت سرقتها وتهريبها للخارج خلال الأعوام السابقة ويجب أن ينال هؤلاء عقابهم .
وشدد على أن التطبيق الصحيح للقانون يتطلب كفاءة المؤسسات الرقابية والقضائية والعمل على معايير النزاهة والشفافية ودولة المؤسسات وحماية البنية التحتية لمؤسسات القطاع العام و تفعيل القضاء الإداري وتطوير التشريعات الناظمة لعمل الجهات العامة بما يلائم هذا القرار .
كفى فساداً
ما يهمنا حقاً الإسراع بوقف استنزاف القطاع العام من قبل الفاسدين والحفاظ على ما تيسّر من مواردنا، فمن غير المقبول أن يعاني المواطن التقشف والقلة والعوز، بينما نسمع بين الحين والآخر عن اختلاسات تقدر بالمليارات في كل مؤسسات القطاع العام .