ثروتنا الغنمية من يتحمل مسؤولية تراجعها؟.. الأضرار بمليارات الليرات.. والتعويض بلا تعويض!
تعد الأتاوات والرشا التي تدفع على الحواجز في مناطق خارج سيطرة الدولة في ريف محافظة الحسكة ومنطقة البادية الشرقية بالعموم، في قائمة أسباب تراجع الثروة الغنمية، ووفق ذياب عبد الكريم رئيس اتحاد الفلاحين السابق في الحسكة: يدفع المربي ربع القطيع أحياناً كأجور نقل ودفع ضرائب أو أتاوات على الحواجز في تلك المناطق التي تقع خارج السيطرة، مقابل أن تصل أغنامه بأمان إلى المناطق الآمنة، لتأتي العوامل الثانية ومنها محدودية المناطق الآمنة للرعي لوجود الألغام التي خلفتها المجموعات الإرهابية في مناطق شاسعة على امتداد أراضي البادية الشرقية، ومن ثم يأتي التهريب من منفذ (سيالكا) عبر الحدود باتجاه الدول المجاورة، ناهيك بالجفاف الذي تعاني منه المنطقة وغلاء المواد العلفية لأضعاف مضاعفة, إذ وصل سعر كيلو التبن إلى 1200 ليرة بعد أن كان يباع بـ200 ليرة قبل عام واحد فقط، أيضاً كيلو الشعير وصل سعره نحو 1500 ليرة بعد أن كان يباع بأقل من 200 ليرة.
إذاً عدد من العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع قطاع الثروة الحيوانية التي تعادل «النفط الذي لا ينضب» إلى نحو 40% الأمر الذي انعكس على تفاصيل الحياة المعيشية للمواطن، وحسب المربين فإن الأسباب كثيرة بل أصبحت تربية قطيع الماشية تشكل عبئاً كبيراً على مالكيها لارتفاع تكاليف الأعلاف وظروف التنقل الصعبة من منطقة لأخرى ولاسيما في المناطق غير الآمنة ناهيك بتهريبها باتجاه الدول المجاورة والذبح العشوائي.. وبموازاة ذلك تؤكد وزارة الزراعة اتخاذها المزيد من الإجراءات للحد من تراجع هذا القطاع كتأمين الأدوية البيطرية وتقديم المقنن العلفي بأسعار مخفضة وغير ذلك.
من الواقع
تراجع حال الأسر التي تعتمد في حياتها المعيشية على تربية المواشي كحال الواقع المعيشي العام لارتباط هذه المهنة بالظروف السائدة من ارتفاع غير مسبوق في مستلزمات الإنتاج الحيواني وتراجع مساحات الرعي وغير ذلك… «تشرين» أجرت اتصالاتها مع عدد من المربين:
يقول عدنان بوّا مربي أغنام في المنطقة الشرقية: لديّ حوالي ثلاثمئة رأس غنم، لكن المشكلة في غلاء أسعار الأعلاف, فالغلاء دمّر (الحلّال) والبيوت، إضافة إلى إغلاق الطرق في حال نقل القطيع من منطقة إلى أخرى ناهيك بأجور السيارات والشحن.
ارتفاع أسعار الأعلاف
تختلف أسباب تراجع قطعان الماشية في المناطق الآمنة التي غالباً ما تعود إلى ارتفاع أسعار المستلزمات من أعلاف وأدوية بيطرية وغيرها، يقول أبو إسماعيل من ريف حماة: إن أعداد القطيع لديه تراجعت إلى الثلث لعدم قدرته على تأمين الأعلاف والأدوية البيطرية لغلاء أسعارها, داعياً الجهات المعنية إلى تقديم التسهيلات لمنح قروض حتى يتسنّى للمربين الاستمرار بتربية ماشيتهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.
إحصائيات
بلغ عدد الأغنام وفق مكتب الإحصاء لعام 2019 نحو 14,5 مليون رأس، ووفق أحمد العوض مدير مكتب الإحصاء في الاتحاد العام للفلاحين بلغت 887 ألف رأس من الأبقار.
تدهور المراعي
كبقية القطاعات تعرض قطاع الثروة الحيوانية للتخريب وخاصة في محافظة الحسكة بسبب الظروف السائدة، يتحدث ياسر مرعي مدير مشروع الثروة الحيوانية في المحافظة أنه بسبب العديد من العوامل كالظروف الجوية السائدة من جفاف وقلة أمطار وفشل زراعات بعلية, إضافة إلى تدهور المراعي والمحميات التي تعتمد عليها الثروة الغنمية, كل هذه العوامل أدت إلى عجز تأمين المادة العلفية, مشيراً إلى أن مصادر المادة العلفية تتركز في الزراعات العلفية الخضراء ومخلفات المحاصيل الزراعية وكذلك الصناعات الغذائية.
عدة عوامل!
وأضاف مرعي: كل تلك العوامل أثّرت على الثروة الحيوانية وساهمت بارتفاع أسعار الأعلاف بشكل أو بآخر وتالياً أخذت الأعداد بالتناقص لعجز المربي عن تأمين الأعلاف, الأمر الذي يجبره على بيع عدد من ماشيته لتأمين الأعلاف لبقية القطيع, والأمر الثاني تزايد تصدير الأغنام والخراف إلى الخارج «شمال العراق»
كما أدت تلك العوامل إلى زيادة أعداد الذبائح, ما أدى لانخفاض سعرها مقارنة ببقية المواد الغذائية، مقترحاً لتحسين أو الحد من تراجع الثروة الغنمية اعتماد إنتاج الأعلاف كهدف إستراتيجي ضمن السياسة الزراعية وإدخال المحاصيل العلفية وتربية الحيوان في الثروة الزراعية.
تراجع بنسبة 40%
أمام هذا الواقع لقطاع يعد العمود الفقري للأمن الغذائي ماذا قدمت وزارة الزراعة للحد من تراجع القطيع أو حتى ترميم النقص؟ يؤكد سلمان مرتضى مدير مشروع الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة تراجع أعداد الثروة بنسبة 40% ناهيك بقيمة الأضرار لهذه الثروة التي تجاوزت الـ 5,5 مليارات ليرة خلال سنوات الحرب، مشيراً إلى أسباب تراجع الثروة الحيوانية, ففي المناطق الآمنة تعود إلى: تهريب رؤوس الأغنام باتجاه الدول المجاورة والذبح العشوائي وخاصة الإناث وارتفاع تكاليف الإنتاج ومستلزمات
التربية.
وتختلف أسباب تراجع قطعان الأغنام في المناطق غير الآمنة لعدة عوامل منها: نزوح السكان من مناطق عملهم ونفوق أعداد كبيرة نتيجة الحرب والسرقة التي تعرضت لها قطعان الثروة الحيوانية, بالإضافة إلى انخفاض أعداد الثروة الحيوانية ذات الأصول الوراثية العالية الجودة والتخريب الممنهج الذي تعرضت له محطات البحوث وأماكن تربية الحيوانات
البيطرية للحد من تهريب الثروة الحيوانية وتطوير إنتاجية الوحدة الحيوانية وذلك بواسطة عمليات التحسين وإدخال أنواع عالية الإنتاج (استيراد بكاكير أجنبية) ومساعدة المربين بتأمين جزء من المقنن العلفي بأسعار مخفض، بالإضافة إلى تأهيل جزء كبير من منشأة الثروة الحيوانية المتضررة وزيادة طاقتها الإنتاجية وإعادة تأهيل عدد من محطات البحث العلمي, مع دعم المربين بقروض ميسرة.
قلة المراعي
في تصريح سابق للباحث والخبير الدولي ووزير الزراعة السابق د.نور الدين منى أكد فيه أن تراجع أعداد الثروة الحيوانية ولاسيما الأغنام منها التي هي مصدر مهم لدعم الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي، يعود لعدد من الأسباب أهمها أولاً: ندرة المساحات المخصصة للرعي لأسباب متعددة منها انخفاض الحمولات الرعوية نتيجة الرعي الجائر وعوامل الجفاف وسوء الإدارة، وثانياً ارتفاع تكاليف الأدوية والعناية البيطرية وخاصة أن جزءاً من المعامل المنتجة لهذه الأدوية تضررت لوقوعها في المناطق الساخنة، وثالثاً: ازدياد الأعداد المخصصة للتصدير غير المضبوط في بعض المراحل. رابعاً: مشكلة الأعلاف والتي لها علاقة بالمساحة الرعوية وبالتالي الارتفاع غير المسبوق للأسعار.
خامساً: تواجد العدد الأكبر من المربين في المناطق الشرقية غير الآمنة, التي كان لها النصيب الأكبر من القتل والنهب والسرقات, مشيراً إلى أنه في الماضي وخلال سنوات الجفاف كان يقترح بالسماح لهم باستخدام المحميات الموجودة كأحد مصادر دعم الأعلاف.
خسارة مضاعفة
يشير د. منى إلى موضوع التبعات السلبية لتصدير أغنام العواس أو حتى تهريبها عبر الحدود الأردنية وغيرها وهذا الصنف من الأصول الوراثية المطلوبة عالمياً لأنها عالية الجودة ولمذاقها المميز، وتالياً تكون خسارتنا مضاعفة من ناحية الأعداد ومن ناحية الأصول الوراثية المهمة، مضيفاً: إنه خلال هذه السنوات ما زال إنتاج الأغنام بالأنماط التقليدية بدءاً من المنطقة الشرقية إلى الداخل، وبالتالي هذه الأنماط عرضة للسرقة، لذلك يفترض على وزارة الزراعة في مراكز المناطق الآمنة أن يكون لها عمليات تربية مكثفة بالطرق الحديثة للحفاظ على الأصول الوراثية.