المركزي.. يوصي بجذب الاستثمارات والأموال السورية من الخارج وتوجيهها لمشاريع البنية التحتية
أدت الحرب في سورية إلى تدمير كبير في البنية التحتية في مختلف القطاعات وخاصة قطاع الكهرباء مما يتطلب حسب مصرف سورية المركزي إعادة تأهيل البنى التحتية موارد مالية ضخمة تفوق قدرة الحكومة على تحملها لاسيما خلال الفترة الراهنة، إضافة إلى أن جائحة كورونا التي شكلت عاملاً ضاغطاً على الإنفاق العام.
وفي ظل هذه الأوضاع أوصى مصرف سورية المركزي بالتركيز على جذب الاستثمارات والأموال السورية من الخارج وتوجيهها نحو مشاريع البنية التحتية، وزيادة مشاركة القطاع الخاص لتعزيز فرص التمويل وتنويعه واحتواء التحديات التي تواجه الموازنات العامة، من خلال الاستفادة من إمكانات القطاع الخاص التمويلية والإدارية والتقنية في تطوير وتوسيع أصول البنية التحتية وتشجيع المصارف (التقليدية والإسلامية) على توظيف فوائض السيولة لديها في هذه المشاريع ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
وفي دراسة أعدها المصرف حول فهم اتجاهات الإنفاق العام على البنية التحتية في البلدان النامية لفت المركزي أن مشاريع البنية التحتية تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الحياة الاقتصادية، حيث يُعد توفر البنية الأساسية من أهم عناصر جذب الاستثمارات في المجالات الصناعية والتجارية والخدمية، الأمر الذي له تأثير مباشر في تنافسية الاقتصاد ككل.
ويشكل الإنفاق الحكومي أحد أهم السبل التي تستخدمها الحكومات المختلفة من أجل دفع عجلة النمو، وفي سبيل ذلك تنفق الدول النامية على البنية التحتية لتطويرها بما يحقق هدفين، الأول خلق حالة من الرواج الاقتصادي والثاني وضع أسس صلبة للنمو.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من البلدان النامية لسد فجوة البنية التحتية لديها، إلا أن هناك هدراً كبيراً في هذا المجال، حيث إن قرابة 35% من الإنفاق على البنية التحتية وفق البنك الدولي يتم بلا تخطيط جيد ومسبق بما يجعلها تحقق هدف الرواج من دون تحقيق أهداف طويلة المدى.
وعرض المركزي دراسة أعدت من مجموعة البنك الدولي تشير الى صورة منفصلة نسبياً لاتجاهات وأنماط الإنفاق على البنية التحتية لعينة من أكثر من 70 دولة نامية خلال الفترة (2010- 2018) وبينت أن الإنفاق العام على البنية التحتية في البلدان النامية منخفض ومتراجع (رغم تخصيص حصص أعلى بكثير من الإنفاق العام والاستثمار العام للبنية التحتية حتى عام 2015).
حيث وصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2010 عند أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي عام 2018. وتمثل البنية التحتية حصة منخفضة ومستقرة لا تزيد على 5% من إجمالي الإنفاق الحكومي، ومع ذلك فإن الاستثمار في البنية التحتية يمثل حصة أعلى إلى حد ما تبلغ 15% من إجمالي الاستثمار العام. على الرغم من وصولها إلى حصص أعلى تبلغ حوالي 30% لبعض البلدان خلال فترات زمنية محدودة. ويرجع تفاقم المستويات المنخفضة للإنفاق العام على البنية التحتية إلى قلة موارد الحكومات، بالإضافة إلى عدم قدرة الميزانية العامة على تحمل الأعباء الضخمة لهذه المشاريع وضعف مشاركة القطاع الخاص من جانب، وانخفاض نسب تنفيذ الميزانية من جانب آخر، حيث إنّ مقارنة مخصصات الميزانية بالمبالغ المنفذة تظهر اختلافات ملحوظة بين البلدان، حيث إن البلدان ذات الدخل المتوسط (تنفذ 99% من الميزانية للطرق و 82% للطاقة).
وتحقق أداء أفضل بكثير من نظيراتها من ذوي الدخل المنخفض (64% فقط في الطرق و39% في الطاقة). إن إنتاجية الإنفاق على البنية التحتية في البلدان بالكاد قد تحسنت بمرور الوقت، على الرغم من التقدم التكنولوجي المتواضع، ويرجع ذلك إلى التدهور التعويضي في الكفاءة الفنية الذي يقضي إلى حد كبير على هذه المكاسب.
والبلدان التي شهدت بعض التحسن في الإنتاجية فعلت ذلك في كثير من الأحيان كنتيجة لتأثيرات الحجم وليس المكاسب الكفاءة بالدرجة الأولى.
ولفتت الدراسة أن الإنفاق على البنية التحتية في هذه البلدان منخفض ويتراجع إضافة إلى مسايرته للدورات الاقتصادية حتى قبل جائحة كورونا، ما يدل على أن تفاقم احتياجات الإنفاق المتنافسة على الصحة وشبكات الأمان الاجتماعي خلال هذه الأزمة الاقتصادية سيشكل ضغوطاً كبيرة على الإنفاق على البنية التحتية.
حول توصية المصرف المركزي والدعوة لعودة الأموال السورية للاستثمار في البنية التحتية قال الخبير المالي والمصرفي أنس نغنغ
أن الحكومات حول العالم اتخذت إجراءات استثنائية لمواجهة كوفيد-19. وبينما يستمر تركيزها على التعامل مع الطوارئ الصحية وتقديم الإمدادات الحيوية اللازمة للأسر ومؤسسات الأعمال، بدأت مع بدايات هذا العام تُعِد الاقتصادات للانتقال إلى عالم ما بعد الجائحة – وهو ما يشمل مساعدة المواطنين على العودة إلى العمل.
وللاستثمار العام دور محوري يؤديه في هذا الصدد. وبالتالي فان عودة الأموال السورية وجذب الاستثمارات في البنى التحتية أن في اقتصادات الأسواق النامية والصاعدة يمكن أن يساعد على انتشال النشاط الاقتصادي من الانهيار الاقتصادي العالمي الأكثر حدة وعمقا في التاريخ المعاصر. ويمكن أن تؤدي زيادة هذا الاستثمار أيضا إلى خلق ملايين الوظائف بشكل مباشر على المدى القصير وملايين أخرى بشكل غير مباشر على مدار فترة أطول. فزيادة الاستثمار العام بنسبة 1% من إجمالي الناتج العالمي يمكن أن تعزز الثقة في التعافي وترفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2,7%، والاستثمار الخاص بنسبة 10%، والتوظيف بنسبة 1,2% إذا كانت الاستثمارات عالية الجودة وإذا لم تسبب أعباء الديون العامة والخاصة الحالية في إضعاف استجابة القطاع الخاص للدفعة التنشيطية.
ولا حظ الخبير المصرفي والمالي نغنغ أنه حتى قبل الجائحة، كان الاستثمار ضعيفا طوال عشر سنوات، رغم الطرق والكباري المتهالكة في بعض الاقتصادات المتقدمة والاحتياجات الهائلة للبنية التحتية في مجالات النقل والمياه النظيفة والمرافق الصحية وغيرها في معظم الاقتصادات الصاعدة والنامية. والاستثمار يشكل حاجة ملحة حاليا في القطاعات التي تقوم بدور حيوي ، مثل الرعاية الصحية، والمدارس، والمباني الآمنة، والمواصلات الآمنة، والبنية التحتية الرقمية.
كذلك تعد أسعار الفائدة المنخفضة عالميا مؤشرا على أن وقت الاستثمار قد حان. فالمدخرات وفيرة، والقطاع الخاص في حالة انتظار، وكثير من الناس عاطلون عن العمل وقادرون على شغل الوظائف التي يخلقها الاستثمار العام. ويلاحَظ أن الاستثمار الخاص مكبوح من جراء عدم اليقين الحاد الذي يحيط بمستقبل الجائحة وآفاق الاقتصاد. ومن ثم، فالوقت مناسب في كثير من البلدان للقيام باستثمارات عامة عالية الجودة في المشروعات ذات الأولوية، وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق الاقتراض بتكلفة منخفضة.
ويمكن أن يساهم الاستثمار وعودة الأموال السورية بدور محوري في التعافي، مع إمكانية توليد وظائف بشكل مباشر من الإنفاق على البنية التحتية التقليدية، و من الإنفاق على البحوث والتطوير، والكهرباء الخضراء، والمباني ذات الكفاءة.
ويضيف الخبير المالي والمصرفي لكن تنفيذ المشروعات الاستثمارية يستغرق وقتا. ولضمان خلق الوظائف الآن من خلال الاستثمار – في وقت الحاجة الماسة إليها – ينبغي أن نكثِّف العمل في صيانة البنية التحتية، حيثما كان ذلك آمنا. وقد حان الوقت أيضا للبدء في مراجعة واستئناف المشروعات الواعدة التي تأخرت بسبب الأزمة، وتعجيل المشروعات قيد الإعداد حتى تؤتي ثمارها في غضون العامين القادمين، والتخطيط لمشروعات جديدة تتوافق مع أولويات ما بعد الأزمة.