كعادتها، الدولة السورية لم تتخلَ يوماً عن دورها الأبوي الحاضن لجميع أبنائها، المخطئ منهم قبل المصيب، والمخطئ أولاً لأنه صاحب الحاجة الماسة للمساعدة والأخذ بيده لسلوك طريق الصواب بعد الانحراف عن مساره والوقوع في شرك الخطأ والخطيئة.
هذه الحالة جسّدتها وما زالت تجسدها الدولة السورية من خلال مسار التسويات المفتوح منذ بداية عشرية النار والحرب الإرهابية عليها.
بالأمس كانت التسويات في المنطقة الشرقية «دير الزور والرقة» وبعدها في المنطقة الشمالية حيث العاصمة الثانية للدولة السورية محافظة حلب، والمسار مازال مستمراً من أقصى الشمال السوري إلى أقصى الجنوب مروراً بكل المناطق التي يعود أبناؤها المغرر بهم والمضللون إلى رشدهم وإدراكهم أن أوضاعهم الحالية كانت كارثية عليهم أولاً وعلى وطنهم وأهلهم ثانياً.
مسار التسويات لم ولن يتوقف، فمن اعتاد أن يفتح الأبواب للولوج إلى حضن الوطن لن يغيّر من نظرته هذه، بل إنه مع كل يوم جديد يزداد إصراراً على تطوير الخطوة وتمهيد الطريق وتوسيع الأفق، لأنه يدرك أنه لا بديل عن الوطن، وأن من أخطأ يجب أن يعطى فرصة أخرى لتصحيح الخطأ إن أراد، فإصلاح الإنسان خير من معاقبته على خطئه.
اليوم انتقل المسار إلى محافظة ريف دمشق، فمن الكسوة إلى زاكية إلى معضمية الشام وداريا، مئات الأشخاص أتيحت لهم فرصة تسوية أوضاعهم وهم لم يتأخروا عن استغلالها.
فالمراقب لمراكز تسوية الأوضاع يشعر بالراحة وهو يشاهد مئات الشباب والرجال الذين نأوا بأنفسهم خلال الفترة الماضية عن خدمة الوطن والانخراط في بنائه والإسهام في استقراره وأمنه وأمانه جاؤوا ليقولوا: نحن مستعدون للعودة عن الخطأ ونثق بدولتنا بأنها ستسامحنا وتقبل عودتنا إليها.
ولكن المريح أكثر أن الدولة السورية، صاحبة المبادرة، والسبّاقة لاحتضان أبنائها المغرر بهم كما تحتضن أبناءها المدافعين عنها والمضحّين من أجلها والعاملين على رفعتها وحفظ سيادتها واستقلالها، تملك من رحابة الصدر ما يمكّنها دائماً من بسط الذراع لمن وعى.