ملتقى الحوار الاقتصادي السوري يضع ملامح جديدة للانتعاش الاقتصادي عبر ثلاثية “الاستثمار والمصارف والمشروعات الصغيرة”
الكثير من التساؤلات الهامة وفي مقدمتها كيف يمكن خلق بيئة محفزة لرؤوس الأعمال كانت محور ملتقى الحوار السوري الاقتصادي برعاية رئيس مجلس الوزراء وبمشاركة وزراء الصناعة والاقتصاد والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية والمالية و حاكم مصرف سورية المركزي وحشد من رجال الأعمال والمستثمرين والمهتمين .
وكان التوجه الواضح للنهج الاقتصادي في الملتقى الحواري للمرحلة القادمة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية ولاسيما لجهة النهوض بقطاعات الاقتصاد الوطني بما يسهم في تنمية ودعم الإنتاج المحلي ,وتوجيه الموارد المالية المتاحة نحو الاقتصاد الوطني يتمثل بثلاثية الاستثمار والمصارف والمشروعات الصغيرة ، وهذا ما عبرت عنه مداخلات المشاركين بالملتقى؛ وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لفت في مداخلاته الى أهمية قطاع المشروعات الصغيرة و المتوسطة و المتناهية الصغر بوصفها قطاعاً حيوياً و هاماً و حاملاً للاقتصاد و يشكل المكون الأوسع للمشاريع في سورية، ما يعني دعم الإنتاج المحلي وتنميته، باعتباره أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، بدءاً من المشاريع المتناهية الصغر مروراً بالصغيرة والمتوسطة وصولاً إلى المشاريع والاستثمارات الكبيرة، سعياً نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، من خلال زيادة الإنتاج، وزيادة عدد المنتجين والمستثمرين، وفتح الأبواب بشكل أوسع للاستثمار في كل المجالات، لتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتنمية الصادرات، فرغم ارتفاع الأسعار وتكلفة استيراد المواد، لاتزال الكلف في سورية الأقل بين دول الجوار ، ومن دون ضريبة بالنسبة لحوامل الطاقة، ومواصفات المنتج السوري لا تزال جيدة والحكومة تقدم حوافز تصديرية، وبالتالي مواجهة تداعيات الحرب الاقتصادية والمعيشية .
وكشف الدكتور محمد سامر الخليل عن إطلاق مجموعة من البرامج ما يقارب ٣٧ برنامجاً قطاعياً لتسهيل الحصول على كلف التمويل و برنامج دعم أسعار الفائدة لخفض تكلفة التمويل و برنامج إحلال بدائل المستوردات، مشيراً الى توجيه التجارة الخارجية نحو التركيز على حماية الإنتاج المحلي كمكون رئيس للاقتصاد و استثمار المواد المحلية و استغلالها.
وزارة المالية التي تشرف على القطاع المصرفي و تملك ٦ مصارف عامة أكدت في الملتقى الحواري بلسان وزير المالية الدكتور كنان ياغي أن لديها نسبة كبيرة من الإيداع و التمويل وأنهم محميون بإنفاذ سياسة الحكومة في المجال المالي، معلناً عن نية الحكومة إطلاق مشروع لدراسة وتطوير بيئة المصارف ، بحيث تصبح الحكومة قادرة على تمويل متطلبات الاقتصاد. كما أكد أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر من حيث مرونتها و قدرتها على امتصاص البطالة، لافتاً إلى إطلاق برامج دعم أسعار الفائدة ما يقارب حوالي ٣٦ مشروعاً بفائدة ٤ بالمئة و برنامج رواد الأعمال بمصرف التسليف و ليس هناك كلف بفائدة عالية. و نسعى لتبسيط الإجراءات وأتمتتها، وخطتنا للعام ٢٠٢٢ تتضمن طابعاً إلكترونياً للتعامل المصرفي.
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أدلت بخططها الرامية لوضع وصفة فعالة لمعالجة الصعوبات التي يعانيها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما من شأنه تطوير بيئة عمل هذا القطاع وتعزيز دوره في النمو والتنمية مبيناً أن فتح الاستيراد يخلق منافسة و يخفض الأسعار، لكن هذا ينطبق على سوق مستقرة، و في سورية الوضع مختلف، فهناك أولوية للحفاظ على قيمة الليرة السورية تفادياً للتضخم، وبالتالي فإن التوجه سيكون باتجاه تحقيق مرونة في التسعير وتوفير كل المواد من دون ربح أو بهامش ربح قليل جداً، و مواد أخرى يتم رفعها لتعويض المستورد ،و الأهم توفير جميع المواد في السوق لا سيما في شهر رمضان ، وكانت البوصلة في تحفيز المشاريع الصغيرة باتجاه الزراعة التي وصفها الوزير عمرو سالم بأنها أساس في كل دول العالم فنحن كنا ننتج ٥ ملايين طن قمح و الآن نستورده …ونحن حاضرون و منفتحون على أي خطوة منظمة.
الصناعة أيضاً كانت حاضرة عبر وزيرها المهندس زياد الصباغ حيث رأت وبنظرة موضوعية أن القطاع الخاص له أيضاً معاناته و يجري العمل حالياً على تذليل أغلب الصعوبات بما فيها إصدار المراسيم و القوانين و إعفاء مستلزمات الإنتاج من كل الرسوم و الضرائب و فتح سقف الإقراض للقروض الصناعية و إنتاج حوامل الطاقة المتجددة، مشيراً إلى توجه وزارة الصناعة نحو الاعتماد على الذات أكثر و الاعتماد على مدخلات الإنتاج المحلية و المعتمدة بدورها على الإنتاج المحلي مثل المنتجات الزراعية.
حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور محمد عصام هزيمة بيّن في مؤتمر الحوار الاقتصادي السوري أن نسبة النمو بالإقراض بالمصارف التمويلية للمشاريع تقارب ١٣٠ بالمئة، وأنه لا توجد قروض متعثرة، ومدة الإقراض ليست طويلة، والضمانات ليست معقدة، تشجيعاً للمشاريع التي تعد قاطرة الاقتصاد السوري، ومن جهته مدير المصرف التجاري السوري علي يوسف كشف في مؤتمر الحوار الاقتصادي السوري أن عشرات المليارات مُنحت للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتي تعتمد على التمويل الذاتي ما يبرز حاجتها الفعلية للقروض.. ومن المشاكل الرئيسة التي تعانيها هذه المشاريع المدة الزمنية الطويلة التي تستغرقها الإجراءات المصرفية إضافة إلى الضمانات ، ونعمل لإطلاق برنامج متخصص للمدن الصناعية لحل المشاكل التمويلية وخاصة المتعلقة بالضمانات.
منير هارون الرئيس التنفيذي لمصرف الوطنية للتمويل الأصغر بين أن طبيعة عمل مصارف التمويل الأصغر تختلف من ناحية الإجراءات عن باقي المصارف ما يجعلها أسرع من ناحية الانتشار وأقرب للمواطن في القرى وأماكن تواجد المشاريع.
من جهته أديب شرف مدير عام مصرف الإبداع للتمويل الأصغر لفت أن القانون ٨ الخاص بإنشاء مصارف التمويل الأصغر يعد من أحدث القوانين التي عززت الشمول المالي في المنطقة والتوجه نحو التمويل والإقراض والادخار كما عزز المرونة الكافية فيما يتعلق بالضمانات.
في الملتقى الحواري كان لدى القطاع الخاص همومه ومقترحاته التي عبّر عن بعضها رئيس اتحاد غرف التجارة السورية أبو الهدى اللحام لافتاً إلى أن الاستثمار قادم و هناك العديد من التسهيلات لكافة المستثمرين ومنوهاً بأن ثبات التشريعات الاقتصادية خطوة مهمة لتسهيل الاستثمار و القانون رقم١٩ سهّل عملية الاستثمار و ميزه عن بقية الدول، ورغم أن القانون الاستثماري مميز و لكن المناخ الاستثماري ما زال ضعيفاً و هناك قيود بحاجة إلى حلٍّ و المستثمر الأجنبي بحاجة إلى ضمانات.
نائب رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية سامر الدبس بين أن الاستثمار هو بيئة مربحة أولاً و الصناعي ليس مهرِّباً و كل من قُدِّم له دعم و تسهيلات قَدمَ أكثر، والتصدير هو الشريان الأهم للاقتصاد السوري و ليست هناك هجرة ضخمة للصناعيين إلى مصر كما يشاع و هناك استثمارات كبيرة قادمة، وأشار الدبس إلى أن سّر نجاح الحكومة اليوم يكمن في قلة التدخل بالمشاريع لذلك لابدّ من إعادة الثقة بين وزارة المالية والمستثمر،ومنع التهريب لأن من مُنِع من الاستيراد توجه الى التهريب،إضافة إلى ضرورة ضبط التهريب عبر الحدود.
رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد كشتو في ملتقى الحوار الاقتصادي السوري أوضح أن القطاع الزراعي ركيزة أساسية في الاقتصاد السوري و تمنى وجود تشريعات تعزز القطاع الزراعي بشكل جيد ، فحتى الآن ليس لدينا ما يسمى سجلاً زراعياً أسوة بالسجل التجاري منوهاً بأن الدعم يجب أن يكون لمدخلات الإنتاج لافتاً إلى أن القطاع الزراعي ليس قطاعاً اقتصادياً حتى الآن و ما زال قطاعاً خدماتياً و قد عجزت الحكومة عن فصل الخدمات و النهوض بالقطاع الزراعي ..
رئيس غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي خلال الحوار الاقتصادي السوري أوضح أن المشروعات الصغيرة تشكل ٩٧ بالمئة من القطاع الخاص السوري و الذي يشكل بدوره ثلثي الناتج المحلي و وفق أحد التصنيفات فإن ٧٠ بالمئة من المشاريع هي متناهية الصغر من 1 إلى 3 عمالاً ، و المطلوب اختراق منظومة المشروعات الصغيرة لأنها رهان نجاح الاقتصاد و ترفع معدلات التموين و الدخل و المعيشة.
لقد أثبتت تجارب الدول, أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لها دور هام في دوران العجلة الاقتصادية، سواء من خلال زيادة الإنتاج الوطني وتحقيق نسب تشغيل أو خفض مستوى البطالة، وللتوسع في الاعتماد على المشاريع الصغيرة في سورية لابدّ من اعتماد تسهيل إجراءات تأسيس المنشآت الصغيرة، واعفائها من الضرائب في السنوات الأولى لبدء المشروع، والحصول على تمويل لهذه المشروعات، إضافة الى توفير الاستشارة والخبرة.