اللصوصية الأميركية.. واشنطن تمعن في السطو وسرقة النفط السوري
لم يكن عبثاً أن الولايات المتحدة اختارت مناطق شمال شرق سورية، لتحتلها، بشكل صارخ وعلني لأراضي دولة عضو في الأمم المتحدة، وبما ينتهك كل المواثيق والأعراف التي وضعها المجتمع الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية لإحلال السلام والأمن العالمي من خلال منع نشوب الحروب عبر احتواء الأزمات التي يمكن أن تقود إلى حروب وحلها تحت سقف الأمم المتحدة ووفق مواثيقها وقوانينها.. مواثيق وقوانين يُفترض أنها -وبعد حربين عالميتين مُدمرتين– لم تترك أي تفصيل مهما بدا هامشياً وصغيراً إلا وعالجته، ولم تترك أي ثغرات أو ذرائع إلا وتعاملت معها، وعلى قدم المساواة (بين قوى منتصرة وقوى منهزمة ومن بينهما) في سبيل منع الحروب والاعتداءات ودرءاً لكوارثها ومآسيها والتي تنعكس على الشعوب خاصة.
*** الذريعة
لم يكن عبثاً أن اختارت الولايات المتحدة هذه المناطق، بل كان ذلك وفق مخطط مسبق، محدد ومدروس، حيث الهدف واضح، وهو النفط، وحيث هناك عوامل جغرافية وديموغرافية ستسهل تحقيق هذا المخطط، إضافة إلى وجود الذريعة وهي مزاعم محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي الذي دخل إلى المنطقة قادماً من العراق وعبر الحدود التي يُفترض أنها تحت نظر الأميركيين وعلى مرمى حجر منهم، لكنهم بدلاً من منعه، سمحوا له بالعبور وبالسيطرة ونشر إرهابه حتى عم المنطقة ممتداً إلى الشمال تحت نظر العدو الثاني، التركي (بعد الأميركي) وأيضاً على مرمى حجر منه، لتخرج الولايات المتحدة (وتركيا طبعاً) وتعلن أنها قررت محاربة “داعش” والقضاء عليه حيث نشرت قواتها في المنطقة (ومثلها فعلت تركيا) لتتحول سريعاً إلى قوات احتلال بإعلان أميركي واضح وصريح (وكذلك فعلت تركيا) وكلاهما بذريعة مكافحة الإرهاب، وتحت هذه الذريعة المستمرة يعمل كل من الاحتلالين الأميركي والتركي على نهب ثروات السوريين من النفط ومن المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح، الذي هو من المحاصيل الإستراتيجية لأي دولة، وسورية كان لديها اكتفاء ذاتي من القمح وغيره من المحاصيل الإستراتيجية حتى عام 2011 عندما بدأت المؤامرة الإرهابية عليها في صورة حرب هي الأشرس والأقسى بكوارثها ومآسيها على الشعب السوري.
ورغم أن الهدف الرئيسي للاحتلال الأميركي كان سرقة نفط السوريين، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يستهدف أيضاً ثرواتهم الأخرى، سواء بالسرقة فهو يشارك الاحتلال التركي في نهب قمح السوريين، أو من خلال الحرائق التي يفتعلها، أو من خلال العقوبات الجائرة (قانون قيصر آخرها) في سبيل تجويع السوريين وإدامة معاناتهم المعيشية اليومية، وبما يديم له سرقة نفطهم من جهة، والضغط عليهم وعلى قيادتهم وجيشهم، من جهة ثانية، للاستسلام والانهزام.
*** جغرافيا وديموغرافيا
أحدث إجراء في مسار نهب نفط السوريين كان قرار القوات الأميركية المحتلة (قبل أيام) تركيب مصفاة نفط جديدة في منطقة حقول الرميلان في ريف محافظة الحسكة بهدف توسيع عملية النهب عبر تكريسها بقدرات جديدة، حيث يُفترض بهذه المصفاة أن تخرج 3 آلاف برميل نفط يومياً تُضاف إلى عشرات آلاف البراميل الأخرى التي يسرقها الاحتلال الأميركي، وهي سرقة موصوفة وموثقة بالوقائع، بالشهود والصور، والتي تُظهر كيف أن قوات الاحتلال الأميركي تُخرج يومياً ما يصل إلى مئة صهريج مُحملة بالنفط السوري المسروق إلى قواعدها على الحدود العراقية عبر المعابر غير الشرعية التي استحدثتها.
هذه المعابر توفرها الجغرافيا، كم ذكرنا آنفاً، بحكم التواجد الأميركي في العراق وعلى الحدود وذلك بعد الغزو الأميركي له في عام 2003، هذه الجغرافيا كانت من ضمن التخطيط الأميركي المُسبق لسرقة النفط السوري، إلى جانب العامل البشري، حيث تستغل الولايات المتحدة المطامع الانفصالية لبعض المجموعات في المنطقة، والتي مكنتها من الانتشار في المنطقة بعد انسحاب تنظيم “داعش” الإرهابي منها.
هذه المجموعات الانفصالية تحولت إلى وكيل للاحتلال الأميركي على الأرض، الذي يعمل على إكسابها الشرعية، ليشرعن عبرها سرقته للنفط السوري. ومن المفيد أن نذكّر هنا بالاتفاق الذي أبرمه معها في شهر آب من عام 2020 في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عبر وسيط هو شركة النفط الأميركية «دلتا كريسنت إنيرجي».. وبذلك تكون إدارة ترامب كشفت الغطاء رسمياً وبالكامل عن أهدافها الحقيقية الخبيثة والخطيرة وراء احتلالها لمناطق في شمال شرق سورية، هذا طبعاً قبل أن يقولها ترامب صراحة بأن الهدف هو السرقة، مُعلناً «حبه» للنفط السوري وأنه «سيأخذ حصة الولايات المتحدة منه».
*** بين ترامب وبايدن
مهمة ترامب انتقلت إلى إدارة بايدن التي ارتأت أن تنتهج أسلوباً مختلفاً لشرعنة اللصوصية الأميركية في سورية (ضمن إطار لصوصيتها العالمية) فألغت العقد مع شركة «دلتا كريسنت إنيرجي» لتمارس نوعاً من «حملة علاقات عامة» لتحسين صورتها في المنطقة والالتفاف على علانية السرقة التي جاهر بها ترامب، فزعمت أنها لا تسرق نفط سورية ولا تنتفع منه بل هي تحميه لمصلحة الشعب السوري، وأن «تواجدها شمال شرق سورية هو من أجل الشعب السوري وليس من أجل النفط» فكيف يكون ذلك فيما هي تحاصر هذا الشعب بالعقوبات في خطة ممنهجة لتفقيره وتحويله نهباً لحالة دائمة من العوز والفاقة؟.. وكيف يكون ذلك إذا كان المنتفع الأساسي، وبإعلان أميركي رسمي (من ترامب ثم بايدن) هو مجموعات انفصالية تريد الولايات المتحدة منحها مصدر دخل وإيرادات لتمكينها من السيطرة.. والانفصال لاحقاً، وبما يديم التواجد الاحتلالي الأميركي، باقتطاع جزء واسع مهم وغني بالثروات والزراعات.
أيضاً من المفيد أن نذكر هنا أن قطاع النفط كان أول القطاعات المستهدفة منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية عام 2011، سواء من الإرهابيين أو بالعقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة والدول التابعة لها، وكان آخرها ما يسمى«قانون قيصر» للحؤول دون وصول إي إمدادات طاقة “نفط وغاز” إلى السوريين ليجدوا أنفسهم محاصرين من الداخل بعمليات سرقة ونهب منظمة وممنهجة لثرواتهم النفطية.. ومحاصرين من الخارج بقانون إرهابي يُمعن في تكريس معاناتهم المعيشية وإضعاف الدولة وتضغط عليها للقبول بما لم تقبله طيلة عقد مضى من عمر هذه الحرب الإرهابية.
*** الوهم الأميركي
تُخطئ الولايات المتحدة وتُوهم نفسها أنها قادرة على دفع الشعب السوري بهذا الاتجاه، فمن صمد طيلة سنوات عشر مضت، تحت القصف والحصار والعقوبات، والظروف المعيشية الصعبة، قادر على الاستمرار في هذا الصمود، فلا بديل عن الوطن إلا الخراب والدمار، ولا بديل عن الدولة إلا الفوضى والاضطرابات.. ونحن السوريون أكثر من يفهم ذلك، وأكثر من يدرك حقيقة المؤامرات التي تستهدف بلدنا سورية.. هذه المؤامرات مستمرة منذ حققت سورية استقلالها عام 1946 ونهضت كدولة حديثة قوية متماسكة ممانعة، تحولت إلى رقم صعب في معادلات المنطقة لا يمكن تجاهلها ولا تجاوزها.. هذا عدا عن أن السوريين ليسوا حديثي العهد بمسألة العقوبات والحصار، لطالما كانت سورية تحت العقوبات والحصار، ولطالما صمد السوريون، وإن كان ما يتعرضون له من حصار وعقوبات منذ عشر سنوات هو الأقسى والأشد ظلماً وغدراً.
الأخطر والأخبث في مسألة تشديد العقوبات والحصار وسرقة ثروات السوريين من نفط ومن محاصيل زراعية هو محاولة إيهامهم أن سورية، هذا وهم كبير يعيشه كل احتلال، وليس الاحتلال الأميركي فقط، والتاريخ يشهد، وتاريخ سورية يشهد. يكفي هنا أن نذكر الاحتلالين العثماني والفرنسي، حيث كان كل منهما يعتقد أن سيؤبد على الأرض السورية، لكنه انهزم واندحر، وهذا سيكون مصير الاحتلال الأميركي أيضاً.
*** معادلات القوة
السوريون يعولون على معادلات قوة أوجدوها بأنفسهم داخلياً وعلى مستوى الإقليم، وعندما تلجأ الدولة السورية إلى المحافل الدولية، فهي تفعل ذلك لإظهار حقها أمام العالم أجمع، ولتشير بإصبع كبير إلى المحتل المغتصب للحقوق، وإلى اللص الدولي الذي يجثم على قمة العالم بفعل لصوصيته التي يمارسها على كل الدول، حتى على حلفائه.
لصوصية ليست فقط نهب وسرقة بل لصوصية سياسية وعسكرية وحتى تاريخية.. لصوصية تتقلب وتتلون وفق كل مرحلة تاريخية وتبعاً لكل دولة.
لكن اللص لا يمكن أن يأمن أو يطمئن، لنلاحظ كيف أن الإدارة الأميركية لا تنفك قلقة ومتوترة حيال وضعها في المنطقة ووضع قواتها المحتلة للمناطق في شمال شرق سورية (وقواتها في العراق) وهي تتعرض لهجمات مستمرة، حتى لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تتعرض قواعدها ومراكزها لهجمات مركزة (كان آخرها الأسبوع الماضي).. بعضها مدمر، وبعضها يحمل رسالة مفادها أن قواعد القوة التي تطورها الشعوب ومرتكزات الصمود والنضال الوطني هي أقوى من كل ما تحشده وتجنده الولايات المتحدة مهما بلغ جبروتها وتجبرها.. وعندما تقول الشعوب كلمتها فإن كل احتلال إلى زوال.