الجولان عربي سوري.. والعدو لن يأخذ بالاستيطان ما عجز عنه خلال 54 عاماً
في الجولان العربي السوري المحتل.. لا يمكن لسؤال الهوية والانتماء إلا يكون كابوساً مسيطراً على متزعمي قادة الكيان الإسرائيلي المحتل، لا يستطيعون الفكاك منه رغم مرور 54 عاماً على احتلالهم له (في عدوان عام 1967).. الكابوس نفسه هو مفخرة أهلنا في الجولان، وهم الذين يزهون ويتباهون بمقاومتهم وثباتهم على الهوية والانتماء لسورية الأرض والوطن، وبأنهم بمقاومتهم وثباتهم سيظلون الكابوس الجاثم على صدر الاحتلال حتى يزول.
في كل مرة يسعى الاحتلال إلى محاولة إسكات صوت الهوية والانتماء، يكون صوت أهلنا في الجولان أقوى وأعلى.. كذلك فعلهم، والتاريخ يشهد وإلا لما كانت جملة «الجولان العربي السوري» ما زالت مدوية في جلسات الأمم المتحدة التي توالي التأكيد في كل عام على سورّية الجولان بأهله وأرضه، وعلى أنه أرض سورية محتلة، وكل القوانين التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على أهله، وكل ما يقيمه من مستوطنات على أرضه لتغيير هويته وتركيبته الجغرافية والسكانية، هي إجراءات لاغية باطلة ولا أثر قانونياً لها، وأن “إسرائيل” مطالبة بإلغائها كاملة.. آخر جلسات الأمم المتحدة/ الجمعية العامة بهذا الخصوص كانت بالأمس القريب جداً، في الأول من شهر كانون الأول الجاري.
هذا الموقف من الأمم المتحدة هو موقف دولي أيضاً، فهو ضمن سياساته، تصريحاً وفعلاً، لا يزال يسمي الجولان أرضاً سورية محتلة وإلا لما كانت قرارات الجمعية العامة بخصوصه تحظى بإجماع الدول الأعضاء.
تروج “إسرائيل” بأن هذا الموقف من الأمم المتحدة موقف معنوي لا أكثر، وأن المهم هو ما يجري على أرض الجولان، أي ما تقوم به من إجراءات قسرية على أرضه وما تفرضه من قوانين على أهله، وتقديمها للمجتمع الدولي على أنها تجري بموافقة وقبول من أهل الجولان بهدف جرّه، أي المجتمع الدولي، إلى جريمة الاعتراف بإسرائيلية الجولان.. لكنها في كل مرة تسجل فشلاً ذريعاً.
سؤال الهوية والانتماء
أحدث ما أقدمت عليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي كان الجلسة التي عقدتها على أرض الجولان يوم الأحد الماضي لإقرار خطة استيطانية ضخمة هدفها جذب 23 ألف مستوطن إلى أرض الجولان السوري.. ولا شك أن الجلسة -مع ما أقرته- تصعيد كبير خطير في سياق المخطط الإسرائيلي لتكريس «قرار الضم» الذي فرضته سلطات الاحتلال على أهلنا في الجولان عام 1981، وهو القرار الذي يستهدف بشكل أساسي سؤال الهوية والانتماء.
إذاً علينا في كل مرة أن نعود إلى هذا السؤال، فكل جواب من أهلنا في الجولان ومن كل السوريين على امتداد الدولة السورية، كان قادراً على إسقاط قرار الضم في كل مراحله، منذ عام 1981– منذ محاولات العدو الإسرائيلي فرض هويته ومجالسه وانتخاباته ومشروعاته وصولاً إلى تلك الجلسة، علماً أنها ليست الأولى بل الثالثة، من دون أن تتمكن سلطات الاحتلال من إسقاط ذلك السؤال ومن دون أن تتمكن من تمرير مزاعمها بأن «الجولان أرض إسرائيلية» كما يتفوه متزعمو كيان الاحتلال، وآخرهم متزعم حكومته الحالية نفتالي بينيت.
الأخطر من محاولات إسقاط سؤال الهوية والانتماء هو محاولات الاحتلال الإسرائيلي الترويج لمسألة أن تحرير الجولان بات قضية مؤجلة للدولة السورية، بزعم أنها –بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية عليها– باتت في موقع لا يسمح لها بالحديث عن الجولان وتحريره هذا من جهة، ومن جهة ثانية الترويج لمسألة أن هذه الحرب دفعت المجتمع الدولي إلى تغيير موقفه لناحية التخفيف من دعواته لإنهاء احتلال الجولان بزعم أن «وضع سكانه سيكون أفضل مع “إسرائيل” منه مع وطنهم سورية الذي يخوض حرباً ويعاني من مشكلات اقتصادية.
* الرد بالإجماع
الرد السوري على هذه المزاعم كان دائماً فورياً مباشراً، وفي رد الحكومة السورية على انعقاد جلسة حكومة العدو على أرض الجولان، أكدت في بيان لها الإثنين الماضي 27 كانون الأول 2021 أن «الجولان جزء لا يتجزأ من أراضي سورية التي ستعمل على إعادته كاملاً إلى الوطن وبجميع الوسائل المتاحة التي يكفلها القانون الدولي باعتباره حقاً أبدياً لا يسقط بالتقادم وواجباً دستورياً للدولة السورية» وأن «الحكومة السورية تجدد دعمها الثابت والقوي لمواطنيها السوريين أهالي الجولان السوري المحتل الصامدين في مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي ورفضهم لقرار ضم الجولان إلى كيان الاحتلال ولسياسة الاستيلاء على الأراضي والممتلكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال».
أما عن المجتمع الدولي فإن هذه المزاعم تسقط في كل مرة يصوت فيها خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الجولان أرض سورية محتلة، وآخرها كان في جلسة للجمعية العامة في الأول من هذا الشهر كما ذكرنا آنفاً.
الرد من أهلنا في الجولان يأتي عبر المزيد من الصمود والثبات، ومن التحركات الفورية المباشرة على الأرض كلما تطلب الأمر لتأكيد إجابتهم على سؤال الهوية والانتماء.
وربما كانت السنوات العشر الماضية من عمر الحرب الإرهابية على سورية هي الأقسى والأصعب، حيث لم يترك العدو الإسرائيلي وسيلة لمحاولة انتزاع «اعتراف رسمي بشرعية احتلاله للجولان» سواء من أهل الجولان أنفسهم أو من المجتمع الدولي.. تدعمه في ذلك وسائل إعلام غربية تزور الحقائق وتعمل على ترويجها..
في تشرين الأول من عام 2018 عندما حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض «انتخاباتها» في الجولان، أسقط أهلنا بالإجماع هذه الانتخابات.. ونقلت وسائل الإعلام الغربية، نفسها، التي تأهبت لدعم كيان الاحتلال في هذه الانتخابات، رد 23 ألفاً من أهلنا في الجولان عليها، جميعها نقلت -على سبيل المثال- ما قالته نسيبة سمارة من سكان قرية مسعدة: «جسدي سوري، عقلي سوري، وقلبي سوري، ننتمي إلى سورية، لا نخشى جنود الاحتلال.. سورية بلدنا وليس إسرائيل».
بعدها.. عندما أعلن ترامب اعترافه المشؤوم حول الجولان جاء الرد نفسه، ونقلته وسائل الإعلام الغربية نفسها، وكما كان حديث نسيبة، كان حديث كل أهلنا في الجولان: «نحارب يومياً من أجل هويتنا، نكبر ويكبر حب بلدنا سورية معنا.. وحدنا نحن السوريين من نحدد هويتنا وهوية أرضنا وانتمائنا.. قاومنا الاحتلال لـ 52 عاماً مضت وسنستمر في مقاومتنا ليبقى الجولان سورياً ما دُمنا على قيد الوجود».
* الجولان بأهله
اليوم يتأهب أهلنا في الجولان لإسقاط المخططات الجديدة لحكومة الاحتلال والتي هي الأخطر، لأنها حرب ديمغرافية بأهداف بعيدة خبيثة، فإذا ما استطاع الاحتلال فرضها، فعندها سيتمكن من تمرير كل ما يريده من قوانين ومجالس وانتخابات، وحتى «استفتاء شعبي» لتحديد الهوية والانتماء، ما دامت هذه الحرب الديمغرافية هدفها أن يكون المستوطنون هم الأكثرية.
كل الثقة بأهلنا في الجولان.. ولولا أنهم ما زالوا يسجلون أروع ملاحم الصمود والمواجهة مع العدو الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن لما كانت الثقة مطلقة بأن الجولان عائد. لا مكان لقول آخر حتى لو امتدت سنوات الصمود والمواجهة.. وكما أن التاريخ لم يقف عند عام 1967 ولم يستسلم السوريون واستطاعوا تسطير حرب تشرين المجيدة فهم يستطيعون تسطير حروب مجيدة أخرى، وهم أساساً يخوضون منذ عام 2011 حرباً مجيدة ضد الإرهاب والتخاذل والتآمر.. وسورية لا بد ستوجه البوصلة نحو الجولان.. وهذا ما يدركه العدو الإسرائيلي جيداً ويخشاه وكأنه واقع غداً.. هذا ليس حديثنا فقط أو حديث محللين ومراقبين أو تسريبات منقولة.. هذا حديث العدو نفسه، الذي يترجم تلك الخشية -التي تحولت إلى هستيريا مؤخراً– إلى اعتداءات متوالية على سورية وشعبها، كان آخرها فجر الثلاثاء (28 كانون الأول 2021) على مدينة اللاذقية، من دون أن يستطيع الاطمئنان أو الاسترخاء إلى أن القادم من الأيام لن يكون إلا هزائم متوالية عليه.