ليبيا.. أجواء ملغمة تسبق مؤتمر باريس والجميع متأهب
في ليبيا.. لا يتوقف طوفان الأسئلة حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ليس هناك من جواب لأي منها، فيما لم يبق على موعد هذه الانتخابات سوى شهر ونصف، حيث من المفترض أن الإجابة على كل هذه الأسئلة باتت محسومة ومُجاباً عليها، باستثناء طبعاً «أسماء الفائزين» الذي لا تحسم إجابته سوى الانتخابات.
ولكن إذا كان السؤال الأساسي حول هذه الانتخابات غير محسوم بعد (أي السؤال حول ما إذا كانت ستجري أم لا) فمن الطبيعي أن تكون جميع الأسئلة من دون إجابات.
مع ذلك، فإن حالة التعقيد والضبابية في المشهد الانتخابي الليبي لا تتوقف هنا فقط، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى «ما إذا كانت الانتخابات ستجري أم لا؟».. بمعنى أنه في حال افترضنا أن الفرقاء الليبيين اتفقوا بصورة نهائية ثابتة وحاسمة، لا رجعة فيها، على أن الانتخابات ستجري في الـ24 من كانون الأول المقبل، ليكونوا بذلك قد أجابوا على السؤال الأساسي، فهل هذا يعني أن جميع الإجابات ستكون حاضرة لجميع الأسئلة حول هذه الانتخابات؟.. من قبيل:
– من يحق له، ومن لا يحق له خوض الانتخابات؟
– هل هذه الانتخابات تمثل الحل للأزمة الليبية؟
– هل ستجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً أم أن الرئاسية ستسبق البرلمانية؟
– هل سيكون هناك توافق وقبول والتزام من جميع الأطراف بنتائج الانتخابات، حتى ممن ستقصيهم؟
– ما الذي سيحدث إذا لم تتوافق نتائج الانتخابات مع مصالح بعض الدول؟
– هل ستعود جولات الاقتتال في حال لم تقبل الأطراف المقصية بالنتائج؟
– هل هناك فعلاً ضغط دولي حقيقي لإجراء الانتخابات؟
-هل سيلعب «مؤتمر باريس» المقرر يوم الجمعة المقبل دوراً في إتمام الانتخابات؟
وهكذا.. تتجمع الأسئلة، لتبقى من دون أجوبة. مع ذلك فإن المشهد ليس قاتماً بصورة كليّة، فهناك سؤال مهم جداً من ضمن هذه الأسئلة يكاد يكون الوحيد الذي يمكن الإجابة عليه بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
والسؤال هو حول احتمالات عودة جولات الاقتتال في حال لم تتوافق النتائج مع ما تريده بعد الأطراف الداخلية والخارجية.
الإجابة هي: لا.
كيف، ولماذا؟
لا عودة إلى الاقتتال
المتتبع للشأن الليبي وتطوراته لا بد أن يلاحظ بوضوح أنه منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الأول من العام الماضي 2020 لم تسجل خروقات من النوع الخطير لهذا الاتفاق، بل إن أطرافه أبدت التزاماً لافتاً به وببنوده، وهي نقطة إيجابية تحسب لها (ما دفع إلى تحقيق خطوات كبيرة في الميدان السياسي وصولاً إلى الانتخابات المرتقبة).
كما أن أياً من أطراف الاتفاق لم تهدد في أي وقت بإسقاطه وخرق وقف إطلاق النار، أو العودة إلى جولات الاقتتال، على الرغم من أن أحداثاً خطيرة جرت منذ توقيعه كان يُمكن أن تسقطه ليعود الميدان للاشتعال مجدداً، وعلى رأسها التجاذبات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين، وجميعها من النوع العصي على الحل، وبحيث إن أي فريق ليبي غير مستعد أبداً للتعاون أو التفاهم أو التقارب مع فريق ليبي آخر إلا بعد تدخلات ووساطات خارجية..
وحتى عندما يتم الحديث عن فشل الانتخابات، لناحية عدم إجرائها من الأساس، أو لناحية احتمالات عدم التوافق على نتائجها، فإن أياً من الفرقاء الليبيين لا يتحدث عن عودة الاقتتال.. الجميع يظهر التزاماً لافتاً وبارزاً بالعملية السياسية.
ماذا يعني ذلك؟
يعني وبشكل أساسي أن هناك انعطافة جذرية على مستوى الفرقاء الليبيين، لناحية الميدان السياسي الذي سيحتكمون له لتحديد مستقبلهم أو طريقة بقائهم على ساحة الفعل والحكم في البلاد، وهم كما يبدو اختاروا هذا الميدان وليس العسكري، أي اختاروا الاحتكام للشعب وليس للسلاح، وهذا تطور إيجابي جداً ومنطقي ومفهوم، في آن.
إذ إن فرقاء ليبيا يدركون أنهم لا يستطيعون الاستمرار في التناحر عسكرياً إلى ما لا نهاية، لأنهم جميعاً سيكونون خاسرين، ولأنهم يدركون أن مسار الأمور سيقودهم في النهاية، عاجلاً أم آجلاً، نحو العملية السياسية، لذلك فمن الأجدى لهم التركيز على مخاطبة مواطنيهم بلغة العقل والحوار واستقطابهم بعيداً عن الميدان العسكري.. وفعلياً هذا ما يفعلونه وما يمكن ملاحظته بوضوح.
عقلية جديدة
إذاً، هناك خيارات جديدة باتت تفرض نفسها على الساحة الليبية، وستبقى حتى لو لم تجرِ الانتخابات، التي قد تتأجل مرة أو مرتين أو ثلاث.. لا بأس، وحتى لو بقيت الانقسامات والخلافات قائمة.. أيضاً لا بأس، لأن المسار الكلي سيستمر نحو إتمام الانتخابات في نهاية المطاف.
جميع الأطراف الليبية باتت تدرك أن أياً منها لن يستطيع إلغاء أو تجاوز الآخرين، لا بالعسكرة ولا بالسياسة، لذلك جميعها تعمل في سبيل الفوز، كل طرف له طرقه ووسائله لاستقطاب الليبيين، ولكن دون الاحتكام مرة أخرى للميدان العسكري.. حتى عندما يدعو طرف ما إلى إسقاط هذه الانتخابات فهو يدعو إلى فعل ذلك عبر الاعتصامات ويتوجه إلى الناخبين والمرشحين لحثهم على رفضها وعدم المشاركة فيها.
فرنسا و«مؤتمرها» الجديد
على هذه الأرضية ينعقد مؤتمر باريس يوم الجمعة المقبل، وعلى أجندته ملفان فقط:
1- الانتخابات ومسار إتمامها.
2- المرتزقة ومسار إخراجهم.
هذه الأرضية يُفترض أن تسهل عمل المجتمعين والمشاركين في المؤتمر الذي يرفع شعار «من أجل ومع ليبيا».. إذ إنها المرة الأولى التي يصل فيها فرقاء ليبيا إلى الالتقاء في منتصف الطريق، ولا بأس أن تستمر خلافاتهم وانقساماتهم على علنيتها ومباشرتها، وحتى فجاجتها في أحيان كثيرة.
لكن لنعيد هنا استدعاء السؤال المتعلق بمؤتمر باريس ودوره في المساعدة على إتمام العملية الانتخابية.
لنذكر هنا أن باريس سبق أن استضافت أكثر من مؤتمر حول ليبيا، ولم يكتب لأي منها النجاح.
هذه ليست رؤية متشائمة، تفترض أن الفشل سيكون نصيب هذا المؤتمر أيضاً. فعلياً هناك تفاؤل واسع حيال هذا المؤتمر باعتبار أن التقاء جميع الفرقاء الليبيين عند محطة الانتخابات وفر عليه الكثير من العمل.
يمكن القول إن المؤتمر قطع نصف الطريق باتجاه إتمام العملية الانتخابية قبل أن يبدأ جلساته.. وحتى عندما يُقال إن فرنسا لديها أهدافها الخاصة من وراء تنظيم هذا المؤتمر فهذا لا يقلل من التفاؤل.
عملياً كل الأطراف الخارجية لديها أهداف خاصة في ليبيا، أو لنقل مصالح تريد ضمانها، بعض هذه الدول له مصالح أمنية، كما حال دول الجوار، أكثر المتأثرين سلباً باستمرار الصراع في ليبيا. كل هذا معلوم ومعروف، وهذا الحال نجده لدى كل الدول، لديها مصالح مع بعضها البعض تسعى لحمايتها ودوامها، يستثنى من كل ذلك عندما نتحدث عن أطماع استعمارية واحتلالات، فهذا أمر لا يتعلق بالمصالح، وإنما بالتآمر والسيطرة والاستغلال ونهب ثروات الدول وخيراتها.
كثيرون يتحدثون عن مساعي فرنسا لاستعادة دورها الذي فقدته في ليبيا لمصلحة دول أخرى، وعلى رأسها تركيا التي لا تجمعها بها، بالأساس، علاقات طيبة.. ولكن فعلياً كل الدول لها دور أكبر وأهم من الدور الفرنسي، هذا ونحن لم نتحدث عن فقدان الثقة والمصداقية من الليبيين بفرنسا ودورها وأهدافها حيث وعلى مدى سنوات فقدت فرنسا كل أوراقها في ليبيا باستثناء ورقة تنظيم مؤتمر جديد، وهذا ما فعلته.
هدف خفي
الدول والجهات التي ستحضر المؤتمر، معروفة في أغلبها، وهي بالمجمل نفسها التي نراها في كل مؤتمر، ولكن هل من أطراف جديدة، هل ستكون هناك أطراف ستحضر للمرة الأولى، هل هناك أطراف ستحضر لن يُعلن عنها إلا في اللحظة الأخيرة؟.. هناك من يقول إن هذه الأطراف غير المعلنة بشكل رسمي حتى الآن، هي الهدف، بمعنى أن حضورها هو الهدف من مؤتمر باريس، وليس ليبيا.
نحن نتحدث هنا طبعاً عن كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان حاضراً بقوة على ساحة التسريبات المتعلقة بمؤتمر باريس طيلة أسبوع مضى.. ومفادها أن هذا الكيان مدعو لحضور المؤتمر.
وتقول التسريبات إن رئيس «حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة أبلغ ماكرون في اسكتلندا (على هامش اجتماعات مؤتمر المناخ) رفض بلاده حضور مؤتمر باريس إذا كان الكيان الإسرائيلي مدعواً.
وتضيف التسريبات إن رئيس النظام التركي رجب أردوغان رفض المشاركة أيضاً بسبب دعوة كل من اليونان و”إسرائيل”.
فرنسا، حتى الآن، لم تعلق رسمياً على أي من هذه التسريبات، مكتفية بالحديث عن المؤتمر بشكل عام وعن جهود إنجاحه، ولكن إذا ما صحت التسريبات، فهذا يعني أن لمؤتمر باريس حديثاً آخر، ليس ليبياً، بل تآمرياً، ومن باب فرض الأمر الواقع، خصوصاً على الدول العربية المشاركة.. ولأنه «لا دخان بلا نار» فإن هذه التسريبات تكتسب مستوى لا بأس به من المصداقية.. وعليه فإن العودة إلى ليبيا تريدها باريس عبر «إسرائيل» لتضمن مصالحها عبر مؤامرة فتح باب ليبيا للعدو الإسرائيلي.. هل هذا هو الهدف الفرنسي، وهل تعي الأطراف الليبية، والعربية، المشاركة هذا الهدف؟
الإجابة ستأتينا بعد غد الجمعة.. لننتظر ونر، وإن بعد غد لناظره قريب جداً.