لا قرار.. لا خيار!
يقول مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية: «إن جيش بلاده يمتلك بالتأكيد القدرة الكاملة للدفاع عن تايوان ضد أي هجوم يمكن أن تشنه الصين إذا طلب منه ذلك».. وكنا لنصدق هذا الكلام ونذهب فوراً نحو الجزم بأن الولايات المتحدة عازمة فعلاً على الدخول بمواجهة عسكرية مع الصين كرمى لتايوان لولا أن مارك ميلي ربط هذا الكلام بـ «إذا».
لا شك أن الجيش الأميركي يمتلك كامل القدرة “للدفاع” عن تايوان ولكن ما لا يمتلكه هو القرار، من سيتخذ القرار بمهاجمة الصين عسكرياً دفاعاً عن تايوان؟
مارك ميلي يقول إن هذا القرار للرئيس، أي قرار جو بايدن الذي كان قال بالتزامن: إن بلاده لا تحتاج للدخول في مواجهة عسكرية مع الصين.
ويضيف ميلي أيضاً: إن الجيش الأميركي “سيدافع” عن تايوان إذا طلب منه ذلك، لكننا لم نعرف من الذي سيطلب منه ذلك، تايوان، أم بايدن؟
الأهم مما سبق أن مارك ميلي أكد أن الصين لن تُقدم على مهاجمة تايوان خلال الأشهر الـ24 المقبلة، وأن بلاده مهتمة فقط بنتيجة سلمية بينهما، إذاً لماذا كل هذا التهويل الأميركي حول الصين، ولماذا التلويح بتدخل عسكري إلى جانب تايوان، وبما يجعلها أكثر تعنتاً، إذا كانت واشنطن مهتمة بنتيجة سلمية؟
كل ما يقوله، أو بايدن، أو أي مسؤول أميركي، حول الصين، هو بمجمله لا يخرج عن دائرة التضارب والتضاد أي قول الشيء وعكسه في آن.. وهذه سياسة لا تدخل أبداً في إطار ما تسميه واشنطن «الغموض الإستراتيجي» هذه مزاعم لم تعد تنطلي على أحد. كل ما يصدر عن الإدارة الأميركية ويتعلق بالصين ينم عن عجز أكثر منه قدرة على الفعل. كل ما تستطيعه الولايات المتحدة هو الاستمرار في التهويل وإصدار التقارير حول «قدرات الصين المتعاظمة» وهي تقارير ليست للداخل الأميركي بقدر ما هي للحلفاء لعلهم يتخذون الخطوة الأولى، أو أن تستخدم هذه المخاوف ومزاعم الدفاع عن الحلفاء لاستقطابهم إلى خطوة عسكرية ضد الصين.. وسبق لصحف بريطانية وأميركية قبل أيام أن تحدثت عما سمته ضغوط الحلفاء على إدارة بايدن حتى لا تغير إستراتيجية الضربة النووية الوقائية ضد الصين (وروسيا).. مشيرة إلى أنهم أكثر قلقاً وأشد مخاوف من الولايات المتحدة من القوة المتعاظمة لكل من الصين وروسيا.
بكل الأحوال، يبدو أن الصين ستبقى عنواناً أول بارزاً طيلة عهد بايدن، ولكن بالكلام فقط أما على أرض الواقع فإن هذه الإدارة لا تملك القرار ولا الخيار، لا تملك سوى مراقبة الصين وهي تصعد سلم الزعامة العالمية.