اشتباك بارد على الحافة
لا هدوء في العلاقات الدولية، فالتصعيد سيد الموقف، حرب باردة، تتبلور بمعارك صغيرة متعددة الأسباب، تبدأ من الاقتصاد والتجارة وتصل إلى التطور التكنولوجي العسكري، معارك باردة وشبه ساخنة ضمن حرب باردة أكبر مستحدثة، يتخيل أنها تحت السيطرة، لكن نهايتها تبقى مجهولة، واستمرارها بحد ذاته هدف وغاية، فنائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف لفت إلى أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين بسبب المواجهة الإيديولوجية، تحولت إلى نوع من الحرب الباردة.
تعددت أسباب التوتر الأمريكي- الصيني، لكن يبقى الجانب الاقتصادي هو الأبرز، الإيديولوجيا وحدها لا تكفي للقيام بحرب في زمن الأزمات الاقتصادية.. الحرب بحاجة إلى عصب إلى المادة أو المال أي إلى محرك فعال للنزاعات، المادة تتبلور على شكل تصنيع وتجارة، فالنمو الاقتصادي المتصاعد للصين كفيل باستنفار لوبيات المصالح الاقتصادية الجاهزة لرفع الميزانيات العسكرية وتسريع عجلة الصناعة العسكرية، كما أنه محفز لصناع القرار الأمريكي لإصدار تشريعات تحت الطلب.
من العوامل الدافعة للتحرش بالصين، إفلاس الإدارة الأمريكية اتجاه مواطنيها وبخاصة مع ما تشهد ساحاتها من انقسامات حادة عرقية وطبقية، فتصبح مسائل تصدير الأزمات بافتعالها من الحلول المرغوبة للهروب إلى الأمام وصولا إلى حافة الهاوية.. الآن الكثير من الملفات الدولية تقبع بالقرب من الحافة رغم السكون في مناطق أخرى، لكن اللعب بشرق آسيا له خطره العالمي على صناعة وحركة السلع، فالصين فرضت نفسها كقوة عالمية، فيما أمريكا تبحث عن تثبيت دورها الاقتصادي العالمي بإثارة الفوضى والنزاعات، فأمريكا تستفز الصين بقضاياها الحساسة وتعقد التحالفات التي تستهدفها.
تصبح المعارك الباردة وشبه الساخنة الصغيرة والمتناهية في الصغر الملجأ الأمريكي الآخر، أولاً: للهروب من أزمات داخلية ملحة، وثانياً: لإثبات الهيمنة العالمية.. الهيمنة التي تجر مصالح اقتصادية واستبداد سياسي على الآخر، فالهيمنة ليست مجانية، فهي تمنح صاحبها “الحق” المزيف بالسلب والنهب، وهذا هدف يستنفر له لوبيات الاقتصاد الأمريكية، فواشنطن تخشى على هيمنتها من الصعود الاقتصادي الصيني وما يتبعه من تطور في العلوم الحديثة العسكرية والمدنية أكثر من القوة العسكرية فقط لقوى عظمى أخرى.
لا أحد يرغب بحرب ساخنة أو دفع الطرف الآخر إلى الجدار، لكن الدفع المتزايد قد يؤدي إلى الانفجار الذي لا يرغب به أي طرف، فإذا أنطلق الانفجار قد لا ينتهي إلا بخراب عالمي كبير.