في الوقت الضائع
الوجهة: أميركا اللاتينية، والهدف: الصين. ومع ذلك يخرج علينا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ليقول: إن بلاده لا تبحث عن فرص لاحتواء الصين، ولا تطلب من الدول الحليفة الاختيار بينها وبين بلاده، وذلك في أول جولة له في أميركا اللاتينية، بدأها من الإكوادور، حيث قال قوله هذا. ويفترض أن يتوجه اليوم الخميس منها إلى كولومبيا. وكان بلينكن زار المكسيك مطلع هذا الشهر.
الصين حاضرة في هذه الجولة رغم أن الهدف المعلن هو التنسيق في سبيل مواجهة الجريمة والتهريب والمخدرات.. وحتى لو اعتبرنا أن هذا هو الهدف فإنه لا بأس من توجيه الرسائل للصين وإلى من يعنيه الأمر.
لكن بلينكن كذب في قوله، من دون أن يجيد توجيه الرسائل.
بلينكن قال إن الولايات المتحدة لا تبحث عن فرص لاحتواء الصين (أو قمع الصين حسب بعض المترجمين) علماً أن الجميع يعلم أن كل ما تفعله منذ عقدين تقريباً هو البحث عن فرص لقمع الصين، أو لاحتوائها في حال فشلت في ذلك الهدف، وهي بحساب المراقبين والخبراء سجلت فشلاً موصوفاً واضحاً للجميع.
أيضاً، يقول بلينكن إن الولايات المتحدة لا تطلب من الدول الاختيار بينها وبين الصين، وقد كذب في هذا أيضاً، لأن الولايات المتحدة كما يعلم الجميع لا تتبع سوى سياسات الإجبار، فمن ليس معها، هو ضدها.. ومن يتعامل مع خصومها هو ضدها، وبالتالي عليه أن يتحمل العواقب. هذا أولاً.
ثانياً، الولايات المتحدة لم تعد تملك قوة تخيير أو إجبار الدول على التقرب من هذه الدولة أو تلك، فما بالك عندما يكون الحديث عن الصين –العملاق الاقتصادي والتكنولوجي وقريباً العسكري- والتي بات التقرب منها والاستثمار معها مطلباً دولياً.
لا تدرك الولايات المتحدة، أو هي تتجاهل، أو لا تريد أن تسود فكرة أنها لم تعد في موقع القوة للضغط على الدول أو الحلفاء، باستثناء الضعفاء منهم، ففي عالم بات متعدد القوى، لم تعد الولايات المتحدة خياراً إجبارياً.. هناك قوى عالمية أخرى سياساتها تقوم وفق مبادئ إنسانية في المساواة والعدالة في الفرص والتجارة والاستثمارات والتكنولوجيا، وفي حق اختيار التحالفات بعيداً عن سياسات الابتزاز والتهديد.
تلعب واشنطن في الوقت الضائع، وهي أكثر من يدرك أن الفوز ليس مضموناً، خصوصاً في هذه المرحلة، حيث الخصم استطاع الخروج من الملعب الأميركي، ليلعب لوحده أو مع أقران مماثلين له.. ويفوز في جولات عديدة.