العبث بالتاريخ
يتعرض التاريخ النضالي للشعوب لمحاولات عبثية، لتشويه معانيه وتحطيم رموزه من الاستعمار الأوروبي القديم- الجديد الذي يبحث عن أشكال جديدة للعودة إلى مستعمراته السابقة، لأنه لا يزال يعيش عقلية ذلك الغازي الحاقد على مقاومة الشعوب له.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يريد كتابة تاريخ للجزائر كما يراه هو، لأهداف مرحلية انتخابية، لم يدرك بعد أن أي تغيير في التاريخ سيغير مجراه كاملاً، كما أنه لا يدرك أن مجرد النطق بترهات سيدفع الكثير من أمثاله للبناء عليها لتحويل “الكذب إلى حقيقة”، وهؤلاء لا يدركون أن دماء الشعوب وإن تم السكوت عنها لصالح مسار المصالحات لا تنسى، لمجرد أن الضحية ترغب بمنح فرصة إنسانية رغم الجراح للجلاد.
لقد كان هناك فائض من الوقت بين انتزاع الجزائر لاستقلالها والترهات الأخيرة لماكرون، لتعتذر فرنسا عن جرائمها والإبادات الجماعية في الجزائر، لكن فرنسا لم تستغل الفرص الكثيرة ولا تزال ترى بالجزائر مقاطعة فرنسية وذلك من خلال كلام مسؤوليها في مختلف المناسبات.
أصبح العبث بالتاريخ وتفصيله على المصالح العصرية للأوروبيين، شغل الكثير من السياسيين والأحزاب الأوروبية الذين يعانون من ضعف في الذاكرة ومن حقد مستدام، وهذا لم يبدأ الآن فيما يخص الجزائر، فالحرب العالمية الثانية وتضحيات الشعب السوفييتي والشعوب الأخرى ومنها الجزائري ودفاعاً عن فرنسا الضعيفة ضد النازية تتعرض للتشويه، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر من محاولات إعادة كتابة تاريخ تلك الحرب من جديد.
من حق الشعوب أن تبقي ذاكرتها حية، تستخلص من تضحيات أبطالها العبر، لكن لا يحق للمجرمين الأوروبيين انتقادها وقلب الحقائق لمجرد أهداف خاصة، فتلك المشاعر الإنسانية تجاه التاريخ النضالي للشعوب، لن يدركها منْ قام بفعل الجريمة أو أحفاده الذين لم يستطيعوا تحمل عبئها إلا بالهرب نحو التزييف والترهات.
نعم فرنسا بلد ديمقراطي وقوانينها تراعي حقوق الإنسان، لكن ذلك محصوراً ضمن الحدود الفرنسية وتخص فقط بمنافعها الفرنسيين، كما تستخدم عند التدخل في شؤون الدول الأخرى ومن خلف تلك الستارة البراقة.
إلى أين سيؤدي عبث ماكرون بالتاريخ الجزائري؟ هذا ما ستكشفه الأيام والسنين القادمة، فالبداية دبلوماسية والنهاية لم تكتب بعد، والتصعيد سيد الموقف، والأوجاع تستحضر.