تصدّع الجيش الأمريكي
بين السطور
أقرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في دراسة أجرتها مؤخراً بتراجع معدلات الانضمام إلى صفوف الجيش الأمريكي بين ذوي البشرات الملونة والأقليات إلى ٢%، وذلك على خلفية تزايد العنصرية التي تجسدت بأبشع صورها القمعية في حادثة مقتل الأميركي الإفريقي جورج فلويد وما نتج عنها من احتجاجات واسعة تنديداً بعنف الشرطة ضد ذوي البشرة السمراء.
ليس غريباً أو جديداً أن نسمع عن العنصرية ضد الأمريكيين ذوي أصحاب البشرة السوداء، وعليه لم يكن مستغرباً أن نسمع عن عزوف أولئك عن الانضمام لصفوف الجيش الذي تنهشه العنصرية بكل مفرزاتها من كراهية وتمييز وتطرف، فالجيش هو صورة مصغرة للمجتمع العادي، وبحكم العنصرية المتأصلة في المجتمع الأمريكي فإنه من الطبيعي أن يواجه الأمريكيون السود الثنائيات داخل الجيش وخارجه، وهم يحاولون الإبحار في أمة تمزقها العنصرية.
الدراسة التي خلصت إليها “البنتاغون” لا يمكن المرور عليها مرور الكرام أو النظر إليها على أنها تحصيل حاصل للسياسات الأمريكية الداخلية التي لطالما كانت محكومة بالعنصرية الفطرية في المجتمع الأمريكي، وذلك بسبب التداعيات السلبية لهذه الدراسة على تماسك الجيش الأمريكي، وبالتالي على المجتمع والدولة.
تزايد العنصرية داخل صفوف الجيش يعني التصدّع من الداخل بفعل وجود مجموعة ضمن عناصر الجيش منبوذة تعاني من الكراهية والتمييز، ومجموعة أخرى لا تستطيع التآلف معها، ما يعني انعدام الثقة بينهما، خاصة عند تنفيذ العمليات والمهمات العسكرية خارج الولايات المتحدة.
وعليه فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل التمكّن من قيادة تلك الوحدة العسكرية بالشكل المطلوب لتنفيذ مهمة مشتركة. مع الأخذ بالحسبان انتشار الجيش الأمريكي في أكثر من بقعة جغرافية خارج الولايات المتحدة، وحساسية المهمات التي يكلّف بها باعتبارها في معظمها، تتنوّع بين اعتداء واحتلال.
العنصرية في الجيش الأمريكي ليست مجرد وصمة عار حديثة، فمنذ أكثر من نصف قرن وتحديداً في عام 1971، استقال فرانك دبليو ريندر، وهو رجل من أصحاب البشرة السمراء، كان مساعداً لوزير الدفاع، بسبب ما وصفه معاملة غير متكافئة للأشخاص الملونين، وبما أن النظام القضائي للجيش لا يحتوي على فئة صريحة لجرائم الكراهية، فمن الصعب تحديد عدد الجرائم المرتكبة بدافع التحيز في ظل عدم امتلاك “البنتاغون” طريقة لتتبع عدد القوات التي تم طردها بسبب وجهات نظر متطرفة.
بالنظر إلى هيكلية الجيش الأمريكي المتصدع من الداخل بفعل العنصرية ومفرزاتها من كراهية وتمييز وتطرف، يسهل على المتتبع معرفة السبب الحقيقي وراء الإخفاقات المتتالية للجيش الأمريكي خارج بلاده، والتي كان آخرها في أفغانستان التي خرج منها وهو يتجرّع مرارة الهزيمة، لأنه من المسلّمات أن الجيش لا يستطيع تحمّل العنصرية وانعدام الثقة، فالتماسك عامل مضاعف للقوة، والانقسام يؤدي للهزيمة التي ليس عبثاً تتجرّعها واشنطن بين الحين والآخر.