يبدو أن من سمات الغطرسة والعنجهية السياسية فقدان البصيرة النافذة وبعد النظر الإستراتيجي وعدم المقدرة على إدراك مآلات الأمور وانعكاساتها المستقبلية على أولئك الذين تطغى عليهم تلك الصفات والسمات.
وعند الحديث عن الغطرسة والعنجهية السياسة على الساحة الدولية، فإن أول ما يخطر في بال المتابع هو الإجراءات غير القانونية التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحق العديد من دول العالم التي رفضت إملاءاتها أو كانت لها سياسة ونهج مختلف عن السياسة والنهج الأمريكي المتبع والقائم على التفرد والهيمنة.
فالإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي استخدمت سياسة العقوبات الأحادية الجانب عندما فشلت في فرض هيمنتها الإمبريالية باستخدام القوة العسكرية.
وفضلاً عن أن العقوبات الأمريكية المفروضة بحق الدول والحكومات والشعوب غير قانونية فهي أيضاً لا أخلاقية لأنها تطول حياة الشعوب ومعيشتها وسلامة أبنائها، أي إنها تمثل عدواناً شاملاً على الدول والحكومات التي تفرض بحقها.
ومع كل ذلك ومهما كانت أهداف الإدارات الأمريكية من وراء هذه السياسة التجويعية والوبائية فقد أثبتت التجارب السابقة واللاحقة للشعوب والحكومات التي فرضت بحقها هذه العقوبات فشل هذه السياسة وعدم جدواها في تحقيق أهدافها السياسية، وخير دليل على ذلك صمود الشعب والحكومة الكوبية منذ ستين عاماً في وجه هذه العقوبات مع كل ما عاناه الشعب الكوبي وعدم استسلامه للشروط والإملاءات الأمريكية وكذلك الأمر بالنسبة للشعب الإيراني الذي يعاني من العقوبات الأمريكية منذ ما يقارب أربعين عاماً، ومع كل ذلك لا يزال صامداً ويتقدم في مختلف مناحي الحياة، بل إن هذه العقوبات زادته تقدماً وتحضراً بالاعتماد على قدراته الذاتية وعقول أبنائه.
لقد أثبت التصويت الذي جرى في الأمم المتحدة بشأن العقوبات على كوبا ارتداد العقوبات الأمريكية على أصحابها, فكانت سياسة العزل الأمريكية بمثابة ارتداد صارخ جعل من الولايات المتحدة دولة معزولة لا يساندها في الأمم المتحدة إلا ربيبتها «إسرائيل» التي تشاطرها العدوان والغطرسة والعزلة نفسها.