عند الحديث عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا يتبادر إلى الذهن إلا أن هذه الإدارات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التي مهدت الطريق لصعود الإمبريالية الأمريكية كقوة عظمى مارست كل أنواع القهر والاستغلال والاستعمار للشعوب الأخرى وتميزت كل إدارة عن الأخرى بضربٍ معينٍ من السياسة طغى على باقي المناحي الأخرى.
بعض هذه الإدارات عملت على تبني الاغتيالات السياسية للمعارضين لسياساتها، إما عن طريق تدبير الانقلابات العسكرية أو التصفية الجسدية التي نفذها عملاؤها واستخباراتها.
والبعض الآخر اتخذ منحى الاحتلال المباشر للدول، كما حدث في فيتنام وبنما والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول التي دنّست أرضها أقدام الجنود الأمريكيين.
وإدارات أخرى ركبت موجة الديمقراطية وحقوق الإنسان في استهداف الحكومات والأنظمة نازعة عنها صفة الديمقراطية وملبسة إياها عباءة الديكتاتورية والقمع ومصادرة الحريات وذلك لتبرر لنفسها عملية حصارها وابتزازها وصولاً إلى إزاحتها عن المشهد السياسي برمته.
ما يلفت الانتباه أن الإدارات الأمريكية المتأخرة كما هو حال الإدارتين الأخيرتين، السابقة «إدارة دونالد ترامب» والحالية إدارة «جو بايدن» تبنتا نهجاً مختلفاً بعض الشيء عن سابقاتهما أكثر فجاجة وصفاقة بأن أضافتا إلى سجل انتهاكات وعجرفات واستغلال الإدارات السابقة خصائص جديدة تتمثل بالاحتلال واللصوصية والإرهاب ومن دون غطاء أو قناع، بل إنهما مارستا ذلك بشكل سافر وعلني وفاضح.
فإدارة ترامب غير المأسوف على رحيلها أعلنت بكل وقاحة أن سبب وجود قواتها المحتلة في شرق سورية وقاعدة التنف هو حماية مصادر النفط والتنظيمات الإرهابية الموجودة في تلك المنطقة وعلى رأسها تنظيم «داعش»، وعملت طوال فترة بقائها في حكم الولايات المتحدة على سرقة النفط والغاز والثروات السورية في الشرق السوري وبيعها لشركاتها وحرمان الشعب السوري من مورد مهم لبقائه واستمراره ورفاه عيشه، بل إنها بذلك مارست أبشع أنواع الحصار والتجويع بحق السوريين من خلال سرقة وتدمير وحرق المحاصيل الزراعية الإستراتيجية وعلى رأسها محصول القمح، موكلة لهذه المهمة القذرة مليشيات انفصالية وإرهابيين تحت الحماية والرعاية لاستخدامهم حيث تريد وتشاء.
أما الإدارة الحالية فيبدو عليها أنها لن تخرج عن خطا سلفها السيئ الصيت، بل إنها تعمل وفق أجندة تمثل إستراتيجية متأصلة في النهج السياسي الأمريكي وهي إستراتيجية السيطرة والاحتلال والتسلط والإرهاب، وإن كانت تطلق عبارات منمّقة في هذا الاتجاه أو ذاك، والهدف منها ليس إلا ذر للرماد في عيون الحلفاء والمعارضين على حد سواء، فهي لا تزال تسرق النفط والغاز السوري، ولا تزال تحتل الأرض السورية لتسهيل عملية النهب تلك، ولا تزال تدعم المليشيات الانفصالية التي تسهل لها هذه العملية، ولا تزال أيضاً ترعى التنظيمات الإرهابية وتقويها وتنقلها من مكان إلى آخر، ولاتزال تمنع الدولة السورية من تنظيف المنطقة من الإرهاب والإرهابيين وتحول دون تأمين حاجات الشعب السوري من وسائل عيشه ورزقه ووقوده.
هذه الإدارة تفوّقت على كل من سبقها بأن جمعت كل جوانب السوء والظلم من أطرافها جميعاً فكانت محتلاً ولصاً وإرهابياً.