يكاد يجمع المحللون السياسيون والمتابعون للشأن الدولي كافة على أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس جو بايدن هي امتداد منمق لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
فهذه الإدارة وإن حاولت الظهور بمظهر الممتطي لصهوة الحلول الدبلوماسية وخاصة في القضايا ذات الشأن العالمي مثل اتفاقية المناخ والليونة مع الحلفاء الأوروبيين ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من الدول والمنظمات التي كان ترامب حاداً و”حربجياً” معها إلا أنها تفعل ذلك ليس لإيمانها بالليونة والحلول الدبلوماسية بل لأنها تحاول حسب إستراتيجية متأصلة لديها إطفاء بؤر جانبية للتفرغ لتصعيد أوار نار حامية مع قوى عظمى تعتبرها تهديداَ إستراتيجياً حقيقياً لبقائها سيداً متسلطاً على رقاب الجميع، أقله خلال العقود القادمة من القرن الحالي.
وفقاً لهذا المنظور الأمريكي الذي يتبناه بايدن بقوة فإن ما يجري من تصعيد أمريكي للتوتر مع قوى عالمية عظمى كالصين وروسيا وأخرى إقليمية كبرى كالجمهورية الإسلامية الإيرانية يشي بأن واشنطن تلعب بنار حامية مع المنافس الأول لها عسكرياً «روسيا» من خلال دفع قواتها إلى الحدود السلوفاكية الأوكرانية جارة بذلك حلف شمال الأطلسي إلى صراع كبير وخطير لا يمكن التنبؤ بمفاعيله ونتائجه.
بعض الأوروبيين العقلانيين في التعاطي مع القضايا الدولية بدؤوا بالتحذير الممزوج بخوف كبير من محاولة واشنطن تحويل دولهم لساحة صراع مسلح تكون نتائجها أشد كارثية من نتائج الحرب العالمية الثانية بأضعاف مضاعفة، ولذلك نجد رئيس البرلمان التشيكي فويتيخ فيليب يرفع الصوت عالياً بالقول: إن الأمريكيين بعد تسلم جو بايدن الرئاسة يجرون العلاقة مع روسيا إلى أشكال بدائية وبذيئة ليس لها مثيل في التاريخ.
لم يكن صوت رئيس مجلس النواب التشيكي وحيداً حيال خطوة واشنطن المتهورة والخطيرة بل هناك أصوات أخرى في أوروبا تؤكد أن حلف ناتو والولايات المتحدة الأمريكية يستفزان روسيا ويخاطران بوقوع صراع عسكري وإن الولايات المتحدة في حال استغلال أوكرانيا للعمل ضد روسيا فإنها بذلك تقوم بلعبة خطيرة تهدد بها ليس فقط مستقبل أوكرانيا وإنما أيضاً مستقبل واستقرار أوروبا بأكملها.
ما تقوم به إدارة بايدن حيال روسيا من تسخين عسكري تفعله حيال الصين الدولة العظمى أيضاً بطريقة مختلفة متخذة لذلك خليطاً من التحرش الاقتصادي والعسكري والتدخل في الشأن الداخلي من خلال تأجيج صراع داخلي صيني علها محاولة يائسة لإبطاء قدرة الصين على تجاوزها اقتصادياً خلال سنوات قليلة حسب كافة توقعات المتابعين للازدهار الصيني المبهر.
يبدو أن الأمريكيين باختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم (ديمقراطية وجمهورية) لم يتعلموا بعد لغة الحوار والشراكة ولا يجيدون سوى لغة الإملاء والسيطرة والبلطجة واللعب بالنار مع الآخر سواء أكانوا قوى عظمى أو قوى إقليمية كبرى ولكن الأمريكيين وخاصة إداراتهم من أصحاب الرؤوس الحامية يجهلون أو يتجاهلون المثل القائل (إن اللعب بالنار يحرق الأصابع) وقد يحرق الجسد بكامله ولذلك فإن كثيراً من الشعوب والأمم بانتظار أن تحترق عباءة واشنطن وهم على يقين بأن ذلك ليس ببعيد إذا ما استمرت إدارة بايدن على نهجها هذا.