عرش أردوغان يهتز ببيان!
يتغنى مسؤولو النظام التركي باستمرار بالقوة التي وصلت إليها بلدهم في الداخل والخارج، وكان أبرز التصريحات بهذا الخصوص ما قاله مؤخراً رأس النظام التركي رجب أردوغان في السادس من الشهر الماضي، عندما أكد في خطاب موجه للقوات التركية قوة بلاده في مختلف المجالات، قائلاً: “علينا أن نكون أقوياء ليس اقتصادياً وسياسياً فحسب بل في المجالين العسكري والدفاعي أيضاً”، بالتزامن مع استخدام أردوغان حملات دعائية احترافية، كان إعلام تنظيم الإخونجية الإرهابي شريكاً أساسياً فيها، لتعويم نظامه وإظهاره على أنه أعاد “أمجاد تركيا القوية والديمقراطية” في آن معاً.
ونتيجة اعتماده على ما توفر له من أدوات، كان أبرزها الإرهاب، على المستويين الخارجي عبر دعم التنظيمات الإرهابية في سورية وليبيا بشكل خاص، والداخلي لقمع أي نوع من أنواع الانتقاد لسلطته، وبشكل واضح بعد محاولة الانقلاب المزعومة عام ٢٠١٦ وعمليات التطهير التي نفذها رأس النظام التركي ضد معارضيه بعدها، حصل أردوغان على جزء مما يريده من صورة نظامه القادر على خلط الأوراق في المنطقة، ولو كان ذلك على حساب سمعة تركيا وشعبها.
لكن هذه الصورة كانت دائماً عرضة لضربات موجعة، إن كان خارجياً بسبب حسابات وسياسات ومصالح الدول الكبرى في العالم، والتي ثبت أنها لا يمكن أن تسمح لتركيا بأن تعتبر نفسها قوة عظمى في المنطقة، أو داخلياً بسبب رعونة وغرور أردوغان في التعامل مع بعض القضايا والشؤون الداخلية.
يوم السبت الماضي أصدر ١٠٣ ضباط أتراك متقاعدين بياناً رفضوا فيه مساعي حكومة أردوغان المساس باتفاقية “مونترو” الدولية، المتعلقة بالملاحة في المضائق التركية، الموقعة عام 1936، وألمحوا أيضاً إلى الاعتراض على كل من مشروع “قناة اسطنبول”، ومساعي أردوغان لصياغة دستور جديد للبلاد. المتقاعدون الأتراك أعربوا عن قلقهم كون اتفاقية “مونترو” حمت حقوق تركيا بأفضل طريقة ومكنتها من الوقوف على الحياد في الحرب العالمية الثانية، وأكدوا “ضرورة أن يحافظ الجيش التركي بجد على القيم الأساسية للدستور، والتي لا يمكن تغييرها ولا يمكن اقتراح تغييرها”، وأدانوا ابتعاد القوات البحرية التركية عن هذه القيم وعن المسار المعاصر الذي رسمه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية.
وما إن تداولت وسائل الإعلام خبر البيان، حتى تداعى جميع أركان الحكم في تركيا للرد وبغضب ملفت مستخدمين لغة التهديد والتخوين، فقال رئيس دائرة الاتصالات في رئاسة الجمهورية، فخر الدين ألتون عبر تويتر: “الشعب أظهر للصديق والعدو عام 2016، كيف داس على الانقلابيين، اعرفوا حدودكم”، فيما غرد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب “الشعب البطل دفن كل الانقلابيين في التراب في 15 تموز”.
أما وزارة دفاع أردوغان فاعتبرت أن نشر مثل هذا البيان “لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بديمقراطيتنا والتأثير سلباً على معنويات ودوافع أفراد القوات المسلحة التركية وإسعاد أعدائنا”، من جانبه اعتبر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن البيان أسلوب يستحضر انقلاباً، وبالطبع لم يتأخر قضاء أردوغان “المستقل” بتحريك النيابة العامة في أنقرة للتحقيق حول البيان ومن يقف وراء إعداده ومع الموقعين عليه.
بيان لعشرات الضباط المتقاعدين، نعم عشرات ومتقاعدين، استدعى رد وتحرك معظم المسؤولين الأتراك على مختلف المستويات وبشكل فوري وانفعالي للدفاع عن “وجود الدولة التركية” الذي تعرض على ما يبدو لخطر كبير جراء “البيان”، وهذا يمكن أن يكون ناتجاً عن أمرين لا ثالث لهما، فإما أن أردوغان سيسعى إلى استغلال هذا البيان لشن حملة تطهير إضافية ضد كل من يتفوه بكلمة ضد نهجه وسياساته، أو إن الصورة التي سعى أردوغان لرسمها عن قوة نظامه ما هي إلا فقاعة يمكن أن تنفجر في وجهه مع أول عقبة تواجهها في الداخل التركي، وهو أمر أيضاً سيؤدي بأردوغان لانتهاج العنف أكثر وأكثر ضد معارضيه هرباً من انكشاف نظامه واهتزاز عرشه.