تخفيف الأعباء عن الصناعة شرط ضروري للنهوض بالاقتصاد
يسرى ديب :
يحتاج تعافي الاقتصاد إلى النهوض بالإنتاج الصناعي والزراعي أيضاً، ولكن المشكلة أن القطاعين يعانيان من مشاكل أزلية ضاعفتها ظروف الحرب والحصار الاقتصادي على سورية.
يتحدث الصناعيون عن الكثير من المشاكل التي تواجه إعادة تدوير آلاتهم وإقلاع معاملهم، ويقولون إن إنتاج سلع تناسب المستهلك المحلي يحتاج إلى إجراءات تخفض من تكاليف إنتاجهم بشكل يسهّل تسويقها مع القدرة الشرائية المنخفضة للناس، ويمكنّهم أيضاً من دخول الأسواق الخارجية والحصول على القطع الأجنبي الذي يسهم في رفد الاقتصاد المحلي.
مشاكل كثيرة
قائمة المشاكل التي يتحدث عنها الصناعيون كبيرة، وفي مقدمتها حالياً صعوبة الحصول على الطاقة والمحروقات خاصة في حلب التي تعد أم الصناعة وتشكل أكثر من 60% من حجم الصناعة في سورية.
وأضافوا: إن معاناتهم بعد تشديد الحصار الاقتصادي على سورية كبيرة، خاصة عند محاولتهم تأمين مادة المازوت لتشغيل المعامل عوضاً عن الكهرباء التي تغيب كثيراً ، الأمر الذي يتسبب بارتفاع تكاليف الإنتاج كثيراً.
بالتعاون والتنسيق
رئيس غرفة صناعة دمشق الصناعي سامر الدبس قال: إنّ تأثير الحرب والحصار الاقتصادي وما يسمى “قانون قيصر” على الصناعة كان كارثياً، حيث كان التأثير كبيراً على تأمين حوامل الطاقة الأساسية لتأمين استمرارية العملية الإنتاجية في المصانع، إضافة إلى إغلاق الأسواق الخارجية وتقطع سبل الانتقال والشحن بسبب وباء كورونا.
وأكد الدبس أن الصناعيين يبذلون جهوداً كبيرة للمحافظة على استقرار واستمرار عجلة الإنتاج الصناعي في ظل الأزمات المتلاحقة بسبب الحرب على سورية والحصار الاقتصادي عليها، ويضيف الدبس أن الصناعي يحتاج في عمله شأنه شأن بقية المهن العلمية والفكرية والإنتاجية إلى الاستقرار والأمان لتتم عملية الإبداع الإنتاجي كماً ونوعاً، وأنهم يحتاجون جهوداً كبيرة لمعالجة انخفاض القدرة التنافسية للمنتج الوطني بسبب زيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة وانخفاض الإنتاج بسبب ذلك، وكذلك زيادة تكاليف النقل البري والبحري والجوي، والتغيرات الكبيرة والمفاجئة في أسعار الصرف، وانخفاض القوة الشرائية المحلية، وهجرة اليد العاملة الخبيرة في الصناعة، ولكن الدبس رغم كل هذه التحديات يؤمن بقدرة الصناعة السورية على الانطلاق من جديد بالتعاون مع أعضاء الفريق الحكومي، لاتخاذ القرارات المناسبة والسريعة التي تساعد في استقرار العمل الصناعي واستمرار العملية الإنتاجية، ما سيؤدي إلى رفع القدرة التنافسية للمنتج الوطني، وجودته وعودة الازدهار للصناعة.
وتساءل رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي في أحد تصريحاته، عن عدد المصانع التي عادت للعمل في مناطق حلب المحررة، في إشارة إلى نقص الخدمات التي تسهّل عودة العمل في منطقة الليرمون مثلاً المحررة منذ أكثر من 5 سنوات، وطالب الشهابي بمنح إعفاءات من الغرامات والفوائد وتقسيط الضرائب والرسوم القديمة، وتسهيل الإجراءات النقدية والمصرفية
مشاكل أزلية
عضو مجلس الشعب زهير تيناوي ونقيب المهن المالية والمحاسبية في سورية يؤكد أن مشاكل الصناعة قديمة قبل الأزمة، وإن تعثرها منذ زمن طويل، و لم يتمكن وزراء ومديرو الصناعة من إيجاد الحلول لهذه المرافق الهامة، وذكر تيناوي أن للصناعة في القطاع العام والخاص مشاكلها، حيث تعاني في القطاع العام من: عدم إمكانية تطوير معظم المنتجات، والمخزون الكبير في شركات الغزل والنسيج، وتسرب الأيدي العاملة الخبيرة من صناعات مثل البرادات والكابلات والغزل والنسيج، حيث إن المؤسسات لم تتمكن من إيجاد الحلول لغياب اليد العاملة الخبيرة، وإذا كانت هذه المشاكل في مرحلة ما قبل الحرب على سورية، فقد أصبح الوضع شبه كارثي بعدها، إذ دمر الإرهاب الكثير من المعامل والمصانع في القطاعين العام والخاص.
وأضاف تيناوي أن صناعة القطاع الخاص ترفد الاقتصاد الوطني بالدعم المادي في حال تحسن الإنتاج، والتمكن من التصدير والعودة بالقطع، لكن القصة أن معظم المعامل اليوم متوقفة، أو لا تعمل بكامل طاقتها لعدم توافر المواد الأولية، وبسبب الحصار الاقتصادي الذي يعوق الحصول على قطع التبديل والمحركات والزيوت..الخ.
يضيف تيناوي أن الحصار علينا حالياً، سبق أن تعرضت له سورية في فترة الثمانينيات، وتمكنت من تجاوزه بعد تطبيق شعار “الاعتماد على الذات”، ويرى أنه لدينا خبرات تحتاج للحوافز المادية والمعنوية فقط لتتابع أعمالها باجتهاد، وفي حال تم توفير مستلزمات الإنتاج عندها يمكن لعجلة الإنتاج أن تدور من جديد وتعطي وأن يتطور وينافس مثيلاته في الدول الأخرى، فصناعة عريقة كالغزل والنسيج يمكنها أن ترفد الخزينة بمليارات الليرات، لذا يجب إعادة إحيائها وتطويرها لأن هذا يدفع عملية النمو.
مطالب غير تعجيزية
ويقول تيناوي إن الكثير من منشآت القطاع الخاص دمرت، وإن مطالب الصناعيين غير تعجيزية، لذا يجب الاهتمام بها، كتأمين الكهرباء وزيوت المحركات والمشتقات النفطية..الخ، لأن تأمينها سيسهل إعادة دوران عجلة الإنتاج، ويمكن عندها أن تتكامل المنتجات من القطاعين، ويرى أنه ما زال الطلب على السلع السورية كبيراً، لكل هذا يجب العمل على إعادة إقلاع المعامل وهذا يتطلب خطوات أكثر جرأة وجدية، ويتطلب العمل على تقليص التعقيدات، وأكد أنهم تحت قبة المجلس يناقشون هذه القضايا مع الحكومة.
وعن الإجراءات الإسعافية للنهوض بالصناعة قال تيناوي: إنه لا حاجة للحلول الإسعافية، بل المطلوب حلول جذرية خاصة بعد تحقيق الانتصار على الأرض، ويرى أن غياب الحلول الجذرية يجعل الصناعة غير رافدة للاقتصاد، ولا سيما أن لدينا صناعات هامة وثقيلة كالإسمنت والكابلات والحديد.. الخ ويجب الاهتمام بها.
هروب رؤوس الأموال
يستعرض الخبير المصرفي والصناعي شادي دهام واقع قطاع الصناعة الذي تعرّض أثناء الحرب إلى دمارٍ وضررٍ هائلَين، وخراب كبير سواء في بنيته التحتية أو في منشآته ومبانيه ومصانعه وطرق المواصلات إليه، وعانى من النهب ونقل أنشطته إلى البلدان المجاورة، وهروب الكثير من رؤوس الأموال العاملة فيه إلى دول الجوار وتوطينها هناك ولا سيما في مصر وتركيا والأردن.
وأضاف دهام أن سورية تعيش حالياً أزمة اقتصادية غير مسبوقة الأمر الذي أدى إلى هروب رؤوس الأموال المحلية، وتوقف تدفق الاستثمارات الخارجية، وخروج الكثير من المعامل والمصانع من دائرة الإنتاج ما سبب تراجعاً كبيراً في القدرة الإنتاجية وانخفاضاً في حجم الناتج المحلي والدخل الوطني. ومع ذلك، يبقى تعافي هذا القطاع ضرورياً، رغم أنه يواجه تحدّياتٍ داخلية وخارجية متعدّدة هي نتيجة مباشرة للحرب (نقص في اليد العاملة، وتراجع قيمة العملة، وأزمة وقود، وارتفاع في تكاليف الإنتاج، وتقلّص السوق الوطنية، وإقفال الأسواق الأجنبية). أضِف إلى ذلك أن العقوبات العامة واسعة النطاق ضدّ سورية تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على تعافي أنشطة الصناعة، فقد أدّى هبوط قيمة الليرة السورية إلى تقليص القيمة الشرائية للسوريين، وارتفاع تكاليف العيش، فالليرة السورية تسجّل منذ بداية الحرب تراجعاً هائلاً في قيمتها، إضافة لانهيار رأس مال المستثمرين وتكبدهم خسائر فادحة.
وكذلك النقص الحادّ في اليد العاملة، والذي يُعزى أساساً إلى الرحيل الجماعي للعمّال المهرة وغير المهرة خلال فترة الحرب على سورية.
ويرى دهام أن أزمة الوقود فاقمت الصعوبات التي واجهها الصناعيون السوريون في الأشهر القليلة الماضية، ورفع أسعار نواقل الطاقة ومصادرها (الكهرباء، المازوت، الفيول) الأمر الذي تسبب في رفع كلف الإنتاج والنقل وتسبب في إضعاف القدرة التنافسية للمنتج السوري في الأسواق الخارجية الإقليمية منها والدولية.
يضيف دهام أنه نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على سورية بدأ هذا القطاع يعاني صعوبات كبيرة: كصعوبة تأمين المستلزمات الرئيسة للإنتاج وصعوبة شحنها وخسارة الكثير من أسواق التصدير الخارجية أمام صعوبات تحويل قيمة الصادرات إلى المنتج المحلي بسبب العقوبات المفروضة على المصرف التجاري السوري، وكذلك تراجع حجم الإنتاج الزراعي وخاصة القمح والقطن نتيجة الحرب على سورية، ما أدى إلى تدني مستويات الإنتاج في المنشآت الصناعية المعتمدة عليها كمواد أولية، وعدم التمكن من مكافحة ظاهرة التهريب للمنتجات الغذائية والنسيجية لمنافستها للمنتج الوطني.
غير كافية
ويرى الخبير المصرفي والصناعي دهام أن سياسات الحكومة لإعادة تطوير قطاع الصناعة اعتمدت طريقة الحلول الإسعافية بدلاً من إيجاد نوع من التدابير والإجراءات المتكاملة والكفيلة بإنعاش هذا القطاع، ووصفها بأنها لا تزال غير كافية، وتتصف بضعف الإجراءات والسياسات المتبعة لمعالجة آثار الأزمة. ورأى الاقتصادي دهام أن تطوير الصناعة يحتاج مجموعة إجراءات منها:
• تأمين الحماية اللازمة للمدن الصناعية والإسراع بإعادة تأهيل المتضررة منها، وإمدادها بالمرافق العامة اللازمة لإعادة تشغيلها وذلك بسرعة إنجاز إصلاح شبكات الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي، مع تبسيط الإجراءات للحصول على التراخيص اللازمة.
• توفير التمويل اللازم للتعويضات عن الأضرار التي لحقت بمنشآت القطاع الخاص وسرعة صرفها حتى يتمكن أصحابها من إعادة تأهيلها وتشغيلها بالسرعة القصوى والإسراع في جدولة ديونهم وإعفائهم من الفوائد المترتبة وتقديم قروض صغيرة ومتوسطة الأجل.
• دعم المزارعين وتنشيط زراعة المحاصيل الزراعية التي تدخل في دائرة الإنتاج الزراعي وخاصة القطن والقمح لضمان إمداد المعامل والمصانع بها والتي تعتمد عليها كمواد أولية في الإنتاج.
• التوقف عن رفع أسعار نواقل الطاقة ومصادرها والتي تشكل عناصر رئيسة في تكلفة الإنتاج، وتأمين مادة المحروقات بالكميات المناسبة للمصانع.
• اتباع سياسات متوازنة ومشجعة في مجال الصناعات التصديرية من حيث توفير التمويل اللازم بالقطع الأجنبي لمستورداتها من مستلزمات الإنتاج المختلفة وإعفائها من رسوم الاستيراد.
• اعتماد سياسة تسعير قطع محددة أمام الارتفاع المستمر في أسعار الصرف وتدهور قيمة العملة المحلية.
إجراءات حكومية
وأضاف دهام أن هذا لا يعني أن الحكومة لم تقدم أي تسهيلات، فهناك مجموعة من الإجراءات والتسهيلات، حيث بينت هيئة الاستثمار السورية أن هناك مجموعة من الحوافز والتسهيلات الاستثمارية المقدمة لدعم وتحفيز قطاع الصناعة وحماية المنتج الصناعي المحلي، ولتلبية رغبات المغتربين وتسهيل عودتهم إلى البلاد.
وأن الهيئة ذكرت في بيان لها أن هذه الحوافز تتضمن:
* إعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية، والخاضعة لرسم جمركي 1% من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية وكافة الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد وذلك لمدة عام واحد.
* استفادة الصناعي الذي يقوم بتركيب آلات وخطوط إنتاج مستوردة لصالح منشأته الصناعية المرخصة من الدعم الذي تقدمه هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بما يعادل قيمة الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى المسددة عنها عند الاستيراد.
• إعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية، ومن كل الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد وذلك لمدة عام واحد.
• منع استيراد بعض المنتجات التي لها مثيل بالإنتاج المحلي، ومتابعة العمل ببرنامج إحلال بدائل المستوردات كتخفيض الرسوم الجمركية على بعض مدخلات الإنتاج وإجراءات حمائية من منافسة البضائع والسلع المستوردة المماثلة وتقديم ميزات خاصة بالنسبة لتخصيص الأراضي في المدن والمناطق الصناعية كإعطاء الأولوية في تخصيص المقاسم، وعدم مطالبة المستثمر بتسديد قيمة الدفعة الأولى، وإعطاء المستثمر فترة سماح لحين البدء بالإنتاج وزيادة مدة استيفاء الأقساط إلى 20 سنة وتخفيض أعباء وتكاليف الحصول على التمويل.