الفضول السلبي.. اقتحام للخصوصية واستجواب مزعج
التدخل بأدق التفاصيل وتوجيه أسئلة خاصة تلغي الخصوصية، هي سمة كثير من الأشخاص الذين يعيشون بيننا، فبالرغم من أن التدخل بشؤون الآخرين ليس من حق أي شخص.
لكن أحياناً قد يصل التدخل والبحث والتعمق في تفاصيل الشخص الآخر إلى درجة تثير الاستياء والخوف من الشخص الفضولي، فما الذي يدفع بعضهم للاهتمام بتفاصيل أفراد آخرين لهذه الدرجة؟؟
تقول منى: عادة ما يسمح لأحد الأصدقاء أو الأقارب من أسرتي معرفة تفاصيل حياتي على أن يكون الشخص ذا ثقة وعقل راجح، وطبعاً هذا يبنى على التجارب فيما بيني وبينه، لذلك يكون لهذا الشخص الأحقية ليعرف عني كل شيء، ولكن هذا الحق يمنح لشخص واحد فقط، وتبقى لدى الآخرين خطوط حمراء سواء في حياتي الخاصة أو العامة، وتضيف قائلة: في حال وجود بعض المتطفلين أنسحب من النقاش بكل هدوء، وأبدي عدم رغبتي بالحديث في مواضيع تخصني بطريقة مهذبة.
وتتفق معها في الرأي غادة ربة منزل، فتقول: كثيرون للأسف يمتهنون خاصيّة التدخل والفضول في حياة وشؤون الآخرين، وبحكم تجربتي التي عانيت منها سنوات طويلة من التدخل والفضول توصلت إلى الحل السحري الذي أراحني وأبعد عني المشاكل والهموم، وهو عدم تدخلي بحياة الآخرين حتى لو بدا لي أنه أمر عادي، وعدم إطلاعهم على حياتي الشخصيّة.
وتؤكد غادة أنه يجب قضاء حوائجك بالكتمان، والبعد عن الاهتمام الزائد بالآخرين، وعدم الإفراط في العواطف، ومعاملة الصديق أو القريب ضمن ضوابط تضمن لك حريتك وراحتك، وأهمها عدم المبالغة في اللقاءات اليومية المتكررة، وإذا كان هذا الشخص فضولياً مفروضاً على حياتك اليومية أخبره بصراحة وبدون تجريح ألا يتدخل في حياتك.
د.سمر علي (أستاذة في قسم علم اجتماع بجامعة دمشق) تؤكد أن احترام خصوصيات الآخرين من أساسيات العلاقات الاجتماعية الناجحة، فمن الضروري معرفة الحدود الفاصلة بين ما هو شخصي وخاص وبين العام والشائع، ففي حياة الفرد جوانب متنوعة ثقافياً واجتماعياً وتربوياً، وفيزيولوجية متناسقة ضمن مكونات الشخصية الإنسانية، التي تحمل في طياتها الميول والاتجاهات والرغبات والأفكار، التي تميز كل فرد عن الآخرين، ولكل إنسان ما يميزه في سلوكه وطباعه وشخصيته ككل، وهنا تبرز أهمية فهم الآخرين لحدود ومكونات الشخصية الذاتية وحدودها، وماهي الأمور التي يمكن للآخرين ملاحظتها ومناقشتها أو إبداء الرأي في ماهيتها، وما الجوانب التي تعد من الخصوصيات المقدسة التي لا يجدر في الآخرين التدخل أو مناقشتها والسؤال عنها ، وهذا الموضوع يختلف من فرد لآخر ضمن المجتمع الواحد ويختلف كذلك فيما بين المجتمعات.
ففي غالبية المجتمعات العربية مثلاً يكون السؤال عن الدخل الشهري سؤالاً بدهياً، وحتى التفاصيل المادية الأخرى كالأملاك والرصيد البنكي وربما حجم الديون .
بينما في معظم المجتمعات الغربية من المعيب أن نطرح هذا النوع من الأسئلة على الآخرين، فهو يعد انتهاكاً للخصوصية، وكذلك أسئلة متعددة فيما يتعلق بالزواج والارتباط وطريقة تربية الأبناء، وحتى نوع الطعام الذي يتناولونه.
وقد نصاب بالذهول عندما لا نتوقع حجم الفضول المزعج لدى بعض الأفراد للخوض في جزئيات حياتنا اليومية ، هذا الفضول الذي لا يمكن اعتباره إلا سلوكاً سلبياً يجب الابتعاد عنه قدر الإمكان، من خلال معرفة الحدود الفاصلة بين العام والخاص، ومن خلال توضيح ذلك للآخرين، بالإضافة لوضع خطوط حمراء خاصة بنا والتي لا يسمح للآخرين بتجاوزها سواء من قبل الأهل أو الأصدقاء أو الأقارب أو المعارف.
كما يمكن أن تتدرج تلك الخطوط الحمراء بحسب درجة القرابة، وحسب علاقاتنا الاجتماعية بالآخرين، ففي بعض الأحيان يمكن أن تسمح العلاقات الاجتماعية ببعض الأصدقاء والمقربين لتدخلهم في بعض التفاصيل من دون أن نشعر بأن تدخلهم هو فضول مزعج، وفي المقابل تجدنا لانقبل نقداً أو رأياً أو تعليقاً بشأن بعض خصوصياتنا عندما تصدر من أفراد لانعتبرهم مقربين لدرجة الخوض في الخصوصيات الشخصية.
في المحصلة: لكل مجتمع قيم ومعايير تحدد الممنوع والممكن في العلاقات الاجتماعية فيما بين الأفراد ويكون كذلك للأفراد تفضيلاتهم، ورغباتهم الخاصة في هذا الأمر فليس من الصعب على كل فرد رسم الحدود الخاصة به بعيداً عن الفضول السلبي لبعض المتطفلين.