في ملف الآثار .. تراثنا الثقافي تعرض لكارثة حقيقية على أيدي الاحتلال التركي ومرتزقته الإرهابيين
لايوجد رقم دقيق يحدد المواقع التي تعرضت للنهب أو التدمير من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية ، يقول مدير عام الآثار والمتاحف- نظير العوض، لكن نستطيع القول: إن التراث الثقافي تعرض لكارثة حقيقية على امتداد مساحات القطر من تخريب ونهب وسرقات، وهذه التعديات أغلبها كان ممنهجاً ويقف وراءه لصوص الآثار بدعم لوجستي خارجي كما حدث في تدمر، حيث طالت الأيدي الآثمة أهم المواقع كموقعي شامين وبعل بابل، وكذلك في حلب معالم استباحتها الحرب على سورية, وتم تدميرها أو نهبها كالجامع الأموي الكبير في حلب وأسواق المدينة التاريخية، وهناك أحياء سكنية أصبحت أثراً بعد عين مثل حي الفرافرة وسواه وغيرها في كل منطقة مرّ عليها خفافيش الظلام، لكن في المقابل تعمل المديرية العامة على ملف الاسترداد, حيث تم استرداد 76 قطعة أثرية من لبنان، ويتم التفاوض على استرداد المزيد لكن اختلاف القوانين من بلد لآخر هو ما يعرقل العمل.
«الرقم كبير»
من دون أن يذكر رقماً محدداً، يقول مدير عام الآثار والمتاحف- نظير العوض: لا يمكن تحديد عدد المواقع التي تعرضت للتخريب والتدمير والنهب، لأنه حتى الآن توجد مناطق خارج السيطرة بسبب الاحتلال التركي ومرتزقته، وما عرض له التراث الثقافي تقف خلفه جهات خارجية لديها التجهيزات اللازمة وساعدها على ذلك أن الحدود مفتوحة، الأمر الذي روج لسوق سوداء، أو لما يسمى سوق الآثار, وبدأت القطع تهرّب خلال سنوات الحرب على سورية، بهدف إضعاف الاقتصاد والتأثير فيه، وطمس الهوية السورية كما حدث في حلب حيث دمرت المقامات والتلال بالـ«بلدزورات», ومنها تل قرامة وتل عجا.
«الثقافة تساهم»
فيما يتعلق بالمتاحف التي تعرضت للتدمير والسرقات يؤكد العوض أنه ومنذ عام 2012 -2021 أطلقنا خطة عمل حماية للقطع بدعم من وزارة الثقافة أدت إلى حماية أغلبية المتاحف، باستثناء متحفي إدلب والرقة، لأن ما حصل فيهما من نهب وتدمير من قبل التنظيمات الإرهابية هو كارثة حقيقية لاحتوائهما على أهم الرقم الفخارية المكتشفة في إيبلا.
«استرداد 76 قطعة من لبنان»
مع بدء الحرب على سورية بدأنا نتحرك على المستوى الوطني والدولي، وملاحقة كل القطع الأثرية المهرّبة وإعادتها، ويؤكد العوض أننا فقدنا من متحف تدمر 5000 قطعة إضافة إلى تدميره لإخفاء ما قامت به تلك التنظيمات الإرهابية, ولتعقيد عملية تتبع هذه القطع، مشيراً إلى أن ملف الاسترداد يتابع أينما عرضت القطع في المعارض الدولية، وبعد إثباتها من خلال مراسلات دولية استطعنا أن نستردّ 76 قطعة من لبنان, وبصدد التفاوض لاسترداد قطع أخرى, وأضاف أنّ ملف الاسترداد معقد لعدم وجود قوانين ناظمة ولاختلافها من دولة إلى أخرى, إضافة إلى وجود عصابات آثار محترفة وفي الوقت ذاته يعد تجربة مهمة لاقت استحساناً، ولتطوير هذا الملف نقيم دورات لتطوير خبرات العاملين, وملاحقة القطع التي عرضت في المزادات، وعن كيفية استردادها بالطرق القانونية، وذلك بالتعاون مع بعض الجهات مثل: «اليونيسكو والإنتربول الدولي»، كما يوجد جمعيات تسعى لمنع الاتجار بالتراث الثقافي في كل البلدان.
«مبادرات فردية»
يضيف مدير عام المتاحف والآثار أن بعض المغتربين أرسلوا معلومات مهمة ساعدت في استعادة قطع أثرية، كما تمت استعادة قطعتين عن طريق مواطن سوري خرجتا قبل الحرب على سورية إضافة إلى استعادة قطعة كانت موجودة في كندا.
«نقل وترميم»
إلى حد ما وفقنا بالحفاظ على القطع المتحفية التي تم نقلها وحفظها في البنوك المركزية، ويتابع العوض: رغم الخسارة الكبيرة، فلولا عملية النقل ربما خسرنا المزيد، لافتاً إلى أنه تم نقل 850 قطعة من تدمر قبل سقوط المدينة بأيدي تنظيم «داعش» الإرهابي.
وفيما يخص الترميم، خصصت مبالغ لا بأس بها وسيتم الإعلان عن البدء بترميم ستة مواقع أثرية في حلب، فقد تعرضت مدينتها القديمة وكذلك المواقع الأثرية في الأرياف المحيطة إلى ضرر كبير خلال سنوات الحرب الظالمة على سورية، حيث تم بكل حقد تفجير عدة مواقع سكنية وغير سكنية في المدينة القديمة لطمس هوية المدينة التاريخية، فضلاً عن التلال القديمة التي تعرضت للتنقيب غير المنهجي بغية سرقة ما تضمه لتهريبه إلى دول الجوار، كما أن المديرية تقوم بترميم الأوابد التي تمتلكها المتاحف, منوهاً بوجود أوابد تتبع للأوقاف والإدارة المحلية, إضافة إلى تنفيذ أكثر من مشروع لترميم الأسواق في حمص بالتنسيق مع جهات دولية مثل شبكة «آغا خان».
«التفريغ قبل الهجوم»
يجب التمييز بين المباني والتماثيل يؤكد صخر العلبي- مدير الآثار في حلب، بالنسبة للتماثيل، كان معظمها محفوظاً في المتحف الذي تم تفريغه قبل العدوان الإرهابي على حلب, وبالتالي سلمت من السرقات والنهب، أما بالنسبة للمباني الأثرية فهناك مبانٍ تم تفجيرها كـ(السراي, ومبنى المشفى الوطني، فندق الكارلتون، المدرسة الخسروية، مدرسة الزهراوي)، وكلها محيطة بالقلعة التي كانت هناك محاولات مستميتة من قبل التنظيمات الإرهابية للوصول إليها لكنها سلمت لاستبسال قوات الجيش العربي السوري في الدفاع عنها.
(معالم استبيحت)
ويضيف العلبي أنه توجد معالم استبيحت, وتم تدميرها وحرقها ونهبها وتفجير بعض مكوناتها كـ(الجامع الأموي وأسواق المدينة التاريخية)، وهناك أحياء أصبحت أثراً بعد عين كحي الفرافرة وسواه لافتاً إلى سرقة المنبر التاريخي والباب الأثري في قبلية الجامع المعروف بباب الوالي، وفيما يتعلق بإجراءات الترميم، يؤكد العلبي أن القطع الأثرية المستردة يتم ترميمها في مبنى المتحف بأيدي الكوادر المحلية، وفيما يتعلق بالمعالم الأثرية فهي تحظى بأعلى مستوى من الاهتمام ويجري ترميمها بنسب متفاوتة ضمن الإمكانات المتاحة وبأيدٍ سورية.
(الأكثر ضرراً)
حمص كبقية المناطق الأكثر تضرراً من الناحية الأثرية ولاسيما مدينة تدمر التاريخية الأكثر أهمية لأنها مسجلة على لائحة التراث العالمي, وهي الأكثر ضرراً.
ويوجد في محافظة حمص أكثر من 123 تل وموقع أثري, و68 مبنى أثرياً دينياً ومدنياً إضافة إلى مدينة تدمر الأثرية وقلعة الحصن حسبما أكده حسام حاميش- مدير آثار حمص الذي أضاف: إن كل هذه المواقع تعرضت للضرر والتخريب والسرقة من قبل التنظيمات الإرهابية بنسب متفاوتة تتراوح بين و50-80 % وهي:
– (مدينة تدمر) بسبب الدمار الذي لحق بأهم معالمها مثل: معبد بل, حيث دمر 90% منه ومعبد بعل شمين وقوس النصر والتترابيل والمسرح.
-(المدينة القديمة) في حمص, حيث تعرضت أغلبية المباني الأثرية للتخريب والسرقة.
-(قلعة الحصن) تعرضت للضرر بسبب تخريب الكنيسة والأبراج الأثرية.
-(التلال الأثرية) في الريف, حيث تعرضت لأعمال التنقيب اللاشرعي والتجريف, وهناك تلال أزيلت بالكامل بـ«التركس».
(تنظيم الضبوط)
يؤكد حاميش وجود 475 قطعة مسجلة أثرياً منها قطع صغيرة وكبيرة من الفخار والحجر والذهب، وتم تنظيم الضبوط القانونية اللازمة، لافتاً إلى وجود 3000 قطعة وتماثيل حجرية، وستنهي اللجان الفنية المشكلة جرد كل المستودعات الأثرية في تدمر التي تعرضت للسرقة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي بعد أن قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بنقل الجزء الأكبر منها إلى أماكن آمنة قبل دخول الإرهابيين إليها.
(ترميم آثار حمص)
وبالنسبة لأعمال الترميم، يؤكد حاميش أنها بدأت من الأيام الأولى لخروج الإرهابيين, وكانت على محورين:
المحور الأول: يشمل حالات الترميم العاجلة أو الطارئة للمباني المتضررة والمهددة بالسقوط، وتم الانتهاء من هذا المحور, كما أنه لا توجد حالياً أي مبانٍ أثرية مهددة بالسقوط, واستمرت هذه الأعمال لمدة عام ونصف العام.
أما المحور الثاني فيشمل كل الأضرار التي لحقت بالمباني الأثرية وإعداد الكشوف الهندسية للترميم, وموافاة المديرية العامة بها لإدراجها ضمن خطة المديرية للترميم حسب الإمكانات المتاحة.
(استرجاع عدد كبير)
فيما يتعلق بالقطع الأثرية التي تمت استعادتها، فإن عددها كبير وتم استرجاعها عن طريق التنسيق مع الجهات المختصة الداخلية، التي كان لها دور كبير في مصادرة عدد كبير من القطع الأثرية، وتسليمها لنا أصولاً وأضاف مدير آثار حمص أننا نشهد أسبوعياً استرجاع عدد كبير من القطع الأثرية من الخارج بالتنسيق مع الإنتربول الدولي, والتي تم تهريبها خارج البلاد للاتجار بها.
(لحماية الآثار)
أمام ما يحدث، ما الحكم القضائي الرادع لجريمة تهريب الآثار؟
يعرف قانون الآثار السوري في مادته الأولى الآثار أنها الممتلكات الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو رسمها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية, أو مئتين وست سنوات هجرية، ويقول قاضي النيابة في وزارة العدل- إلياس متري: لحماية الآثار، نص القانون على عقوبات تختلف باختلاف الجرم لكل من يقوم بسرقة أو نقل أو تخريب أو حتى التعديل في بناء أثري, كما أنه يعاقب على جرم الاتجار بها.
إذ يعاقب بالسجن من 15-25 سنة, وبالغرامة من خمسمئة ألف إلى مليون ليرة كل من هرب أو شرع بتهريبها، كما يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى 15 سنة, وبالغرامة مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة لكل من سرق أثراً ثابتاً أو منقولاً.
(سجن وغرامة)
ونصت العقوبات – حسب متري – على السجن من عشر إلى 15 سنة, ودفع غرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة, كما يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات, وبغرامة من 25 ألفاً إلى خمسمئة ألف ليرة لكل من أتلف أو طمس ثابتاً أو منقولاً, ويعاقب بالحد الأقصى إذا ما وقع الفعل في ملك الدولة.
(عقوبات لمن يخالف السلطات الأثرية)
ويوضح متري أن المشرع وضع عقوبات محددة على كل من قام بالتعديل على بناء أثري، ونصت المادة 59 من قانون الآثار أنه يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات, وبغرامة مالية من ألف إلى عشرة آلاف ليرة كل من خالف أحكام المواد 24-35-26 المتمثلة بوضع حقوق ارتفاق جديدة على الآثار أو القيام بوضع أنقاض أو الحفر أو نقل أو استعمال الأتربة من دون موافقة السلطات الآثرية.
(بموجب قوانين دولية)
ولفت متري إلى أن منظمة الأمم المتحدة (اليونيسكو) أطلقت العديد من المشاريع لحماية التراث السوري الذي تمت سرقته بشكل ممنهج ومستمر من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة التي عملت على تدمير وسرقة الآثار، وأكدت «اليونسكو» أن الموروث الحضاري محمي بموجب قوانين محلية ودولية, ويجب ملاحقة المنتهكين لتلك القوانين, وتقديم الدعم اللازم للحكومة السورية لضبط الصفقات المشبوهة على حساب التراث السوري.