وعود أردوغان الخلّبية
على إيقاع نزيف الاقتصاد التركي منذ نحو ثلاثة أعوام, يصر رجب أردوغان على استعراض العضلات واختلاق الإنجازات وصف الوعود التي يعرف الجميع وأولهم الأتراك أنفسهم أن لا شي سيتحقق منها وأنها ستبقى مجرد وعود خلبية في محاولة بائسة لإنقاذ شعبيته المنهارة, والتغطية على الكارثة الاقتصادية, وتهدئة مخاوف الأتراك المتفاقمة جرّاء الانهيار المتسارع للعملة الذي يجتاح الاقتصاد التركي.
ففي تصريحات استعراضية تفضح انفصاله عن الواقع, زعم أردوغان أن “اقتصاد بلاده سيواصل تحطيم الأرقام القياسية الجديدة”. التصريحات التي من حيث يعلم أردوغان أو لا يعلم, لم تعد تقنع الأتراك الذين باتوا إذا استمعوا إليها لا يصدقوها بل يتعاملون معها بكثير من السخرية وعدم اللامبالاة بوصفها تجارة إعلامية ودعاية سياسيّة, خاصة أن التدهور الاقتصادي ارتبط خلال السنوات الأخيرة بتصريحات أردوغان وسياساته الكارثية التي لم تجلب لهم سوى المزيد من الفقر والبطالة والتضخم.
متتبع الشأن التركي يلاحظ مؤخراً توجه حديث أردوغان إلى الداخل حيث يصر على ادعاء القوة ومواصلة أسلوب التعمية والهروب إلى الأمام بعيداً عن الواقع, وذلك بهدف استمالة الشارع التركي المحبط جرّاء سياسات أردوغان الكارثية سواء في الداخل أو الخارج والتي ورطت تركيا في حروب ونزاعات زادت من حدة الأزمة الاقتصادية, فقد أغلق السلطان العثماني أبواب تركيا في مسار تصادمي مع جيرانها، واستنزف الاقتصاد، واستجلب الأوهام والأساطير السلطانية العثمانية بكل مكوناتها السلبية كالعنصرية والتعصب والعداء، ووضعها في صدارة اللعبة السياسية.
وفي سياق سياسة صف الوعود وبيع الأوهام للناخبين بأسلوب استعراضيّ اعتاد عليه، لا يكل أردوغان ولا يمل من رسائل التأميل الخادعة وذلك من خلال إصراره رغم كل التدهور الاقتصادي الحاصل, على أن “الشركات التركية تحظى باحترام متزايد نظراً لموثوقيتها, وأن المصانع التي تم افتتاحها ستوفر فرص عمل”. ولم يكتفِ أردوغان بل زاد على تطميناته الخادعة وعوداً خلبية بتحقيق “إنجازات ومشاريع عملاقة” عام 2023 في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية، وبالغ في الإيهام حيث بدأ الحديث عن رؤية طريق ازدهار البلاد وتحقيق رؤيتي 2053 و2071، وكأن ما وعد به سابقاً قد تمّ تحقيقه.
وفيما بات الداخل التركي بكافة أوساطه على دراية تامة بالألاعيب السياسيّة والإعلامية والدعائية التي يمارسها أردوغان، يواصل الأخير انفصاله عن الواقع من خلال اختلاق “الإنجازات” وإطلاق الوعود الاستعراضية التي تخدم سياسة أردوغان الهادفة لبلورة هوية تركية جديدة، تستقي ملامحها من أوهام “الإمبراطورية” العثمانية البائدة التي لا يزال ذكرها يرتبط بأبشع مشاهد المجازر وأشكال الاستبداد والقهر التي عرفها التاريخ.