استدارة جديدة لأردوغان
لم يكن مفاجئاً إعلان تركيا سحب سفينة التنقيب “عروج ريس” والسفن الحربية المرافقة لحمايتها من عمق المياه الإقليمية للجرف القاري القبرصي واليوناني وتأجيل المناورات العسكرية بالذخيرة الحية التي كان من المزمع إجراؤها مع ما تسمى جمهورية شمال قبرص بحجة “منح فرصة للدبلوماسية” على حد تسويغ الناطق باسم النظام التركي، هذه الاستدارة قطعاً لم تأت استجابة لتحذيرات أحمد داود أوغلو الصندوق الأسود لرئيس النظام التركي رجب أردوغان ووزير خارجيته ورئيس وزرائه وشريكه المقرب المحبب سابقاً، وخصمه اللدود حالياً، وزعيم أحد أكبر الأحزاب التركية “المستقبل” الذي خرج عن صمته و(بق البحصة) محذراً من مغامرة يحوك خيوطها أردوغان في شرق المتوسط، واعترف أوغلو أخيراً وهو في الأمس القريب كان صاحب شعار “صفر مشاكل” مع الجوار القريب والإقليمي والدولي أن تركيا باتت بسبب نظامها “الإخونجي” التوسعي الاحتلالي تعادي العالم.. كل العالم، فهي تحتل أراضي سورية بعد حرب إرهابية ضروس على سورية لما يقارب عشر سنوات كانت تركيا الأصيلة فيها وفتحت حدودها لكل الإرهابيين والمرتزقة للقتال ضد الدولة السورية، وقطرت كل المعامل بالمنطقة الشرقية والشمالية وفككت كل محطات المياه والكهرباء ونهبت قطعان الأغنام والأبقار وسرقت مخازين صوامع القمح والأقطان، والذي تعذر نقله إلى أنقرة تم حرقه عمداً، هذا مع سورية الجارة، أما مع العراق الجارة الأخرى فهي تقيم قواعد عسكرية وتعلن بين الحين والآخر عن عمليات عسكرية في عمق الأراضي العراقية وكان آخرها “مخلب النسر” و”مخلب النمر” بهدف خلق توتر دائم ومستمر مع بغداد ولم يكتف رئيس النظام التركي بذلك ولم يتعظ من فشل كل تجربة، بل هرب إلى الإمام أكثر فأكثر لإشباع طموحاته “العثمانية الجديدة” والثمالة من رائحة النفط والغاز في ليبيا وشرقي المتوسط و”حلب أموال جديدة” من “الإخونجيين” القطري تميم وما يسمى رئيس حكومة “الوفاق” فايز السراج بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تحرش بقبرص واليونان، وسخن الأجواء مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستفز روسيا، وعادى الاتحاد الأوروبي، وأنذر بانشقاقات في بيت “ناتو”.. هذا الكم الهائل من العداء يشبع ويرضي غريزة “السلطان” من جهة وليشغل الجيش وقياداته بمهاترات إقليمية ودولية، وألهاهم عن الداخل من جهة أخرى ولكن ما لم يرد فهمه أردوغان أنه خسر الشارع التركي والكثير من الأحزاب التي تريد علاقة سليمة مع جوارها العربي والإسلامي وهذا الهروب إلى الأمام قد يرضي الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا ليغوص أكثر فأكثر في مستنقعات جديدة لتحين الساعة لتقليم ليس أظافره وحسب بل عنقه أيضاً وإعادة تركيا إلى مكانها الطبيعي.