أوراق انتخابية
لا يختلف اثنان أن الولايات المتحدة تمتلك القوة الأولى في العالم عسكرياً واقتصادياً وتقنياً وعلمياً وتكنولوجياً وفضائياً، ولكنها تتفاخر كذباً بأنها “الدولة القدوة الرائدة ديمقراطياً” وهذا يدفعنا للسؤال المشروع: إذا كانت هكذا بشكل فعلي أليس من الواقع أو المفروض ألا تخاف من أصوات الاحتجاجات التي تملأ الشوارع الأمريكية اليوم لأنها كما تدعي “دولة مؤسسات.. يحميها دستور و قوانين و أنظمة نقية ونظيفة” بعيداً عن منغصات الاستبداد والعنصرية والشعبوية والفساد والانحياز التي تطبع الشارع الأمريكي اليوم، فالواقع يشي بغير ذلك وما هي سوى دولة تدعي أنها “سيدة العالم” بينما في الحقيقة هي دولة كرتونية تخاف من صيحات مواطنيها المحقة بل تنحاز لشريحة على حساب أخرى.
لا شك أنه ما قبل حادثة مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد ليس كما بعدها، لقد اهتزت صورتها المصطنعة وتآكل الكثير من رصيدها ليس أمام مواطنيها فقط بل أمام كل شعوب العالم وإذا كانت تدعي أنها دولة الاقتصاد والعملة والجيش الأقوى والدستور “الأعدل” ما الذي يمنع أن تكون دولة عدالة وكرامة ومساواة بين مواطنيها على الأقل وهذا أضعف الإيمان والدليل الدامغ رفض وزير الدفاع مارك إسبر دعوات وطلبات سيده دونالد ترامب في إنزال قوات كوماندوز خاصة وتدخل سريع لضبط الشارع وقمع المتظاهرين الملونين، الأمر الذي دفع ترامب إلى الاستنجاد والاستعانة بالآلاف من العنصريين البيض من أنصاره لقمع المتظاهرين وطردهم من الساحات والشوارع، بل لم يدخر ترامب المرشح الجمهوري أي وسيلة حتى وإن كانت غير شرعية في سبيل ضمان نجاحه لولاية ثانية وكان آخرها مغازلة الإنجيليين المتصهينين واللوبي الصهيوني لدعم حملته الانتخابية من جهة ومغازلة الشارع الغاضب عليه بسبب فشل إدارة ملف فيروس “كورونا ” وراح يتاجر بصحة المواطنين من أجل دواع انتخابية مدعياً أن إدارته “بصدد توفير اللقاحات مجاناً” وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2 تشرين الثاني المقبل لكل من يدلي بصوته، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما غازل اللوبي الصهيوني في أمريكا وراح يتباهى بأنه هو من كرّس ورسّخ وفرض معادلة “السلام مقابل السلام” مع بعض العربان وليس كما كانت “الأرض مقابل السلام”، فهل تتعظ بعض المشيخات وتقتنع أنها مجرد أوراق انتخابية محروقة بيد ترامب ونتنياهو تفقد صلاحيتها بعد الانتخابات مباشرة؟