لا يكف ترامب عن الخروج على الأميركيين (والعالم) بكل ما هو غريب عجيب، وأحياناً تصل الغرابة والعجب إلى حد ينعقد معه اللسان، وأحدث ما خرج به هو أن يتهم منافسيه إلى رئاسة البلاد “الديمقراطيين” بأنهم يتدخلون في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل، ويَعيب عليهم أن يفعلوا ذلك.
هذا الكلام كيف يمكن الرد عليه، ما الذي يطلبه ترامب من “الديمقراطيين”؟.. أن يصمتوا مثلاً، وكيف لهم أن يصمتوا وهم المنافس الوحيد لترامب، هل يجب عليهم خوض الانتخابات من دون أن يفعلوا أي شيء، لا حملات انتخابية، ولا دعاية، ولا تصريحات مضادة لكل ذلك التشنيع والتقبيح والسب والشتم الذي يمارسه ترامب ضدهم، ثم إن ترامب لم يشرح كيف يتدخل “الديمقراطيون” في الانتخابات، وما مفهوم التدخل بالنسبة له، وهل يفعلون إلا ما يفعله هو نفسه.. هذا يعني أن “الديمقراطيين” يستطيعون قول الشي نفسه، أي إن ترامب (وجمهورييه) يتدخلون أيضاً في الانتخابات؟
ربما كان هذا أغبى ما قاله ترامب منذ بدء الحملات الانتخابية، والذي أكمله -بالتزامن- بأن يعيب على منافسه الديمقراطي جو بايدن تعهده بتعيين إمرأة في منصب نائب الرئيس، معتبراً أن في الأمر “إهانة للرجال”، وذلك قبل أن يناقض نفسه ويسفّه هذا المنصب بوصفه “تافهاً” وأن الأميركيين لا يقيمون وزناً له، فهو منصب لا يصوّتون عليه، بل يدخل في إطار التعيينات التي يقوم بها الرئيس، أي إنه خاضع لاعتبارات الرئيس ومزاجه وليس لاعتبارات الكفاءة والخبرة.
وغني عن القول إن مثل هذه التصريحات تفقده تأييد النساء، وتغضب الأميركيين بشكل عام، ومثلها التصريحات التي قبلها، والتي يحول ترامب نفسه -من خلالها- إلى عدو لنفسه ولفرص فوزه بولاية ثانية.. بمعنى آخر ترامب يحول نفسه إلى ناخب أول للديمقراطيين ومرشحهم جو بايدن، ولا ندري ما رأي مستشاريه ومسؤولي حملته الانتخابية، خصوصاً أن ترامب بالأساس يعاني من معاكسة جميع تطورات الداخل الأميركي له، ليأتي هو ويزيد الطين بلة.. الغريب هنا أننا لا نسمع بين “الجمهوريين” صوتاً آخر غير صوت ترامب، فهل يمنعهم من الحديث؟.. ربما يفعل ذلك، فإذا كان يطالب “الديمقراطيين” باللاقول واللافعل، فمن الطبيعي ألا يفعل الأمر نفسه مع “جمهورييه”.
هذا حال ترامب، ولن يتغير.. فهل يتغير الأميركيون هذه المرة ويغيروه؟ مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن كلا الطرفين –أي “الجمهوريين” و”الديمقراطيين”- وجهان لعملة واحدة في المحصلة.