عاطف الأتاسي والاستشفاء بالجمال
مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى السنوية الأولى لرحيل صديق أهل الثقافة في حمص د. عاطف ماجد الأتاسي، الذي رحل بعد أن حاول نشر الجمال من خلال الفنون والآداب التي كان يترجمها وينشرها على صفحته الخاصة على «الفيسبوك»، كما نشر نصوصاً من المعرفة العلمية المصورة من المجلات التي اختزنها في مكتبته, لم يكن الراحل د. عاطف يشكل بالنسبة للكثيرين الذين لم يلتقوا به عن قرب سوى طبيب اختصاصي بأمراض القلب، يحمل البورد الأميركي، ويحظى بشهرة واسعة كأمهر الأطباء في اختصاصه, لكننا في السنوات الثماني الأخيرة قبل رحيله عرفنا- نحن الذين لم نزره كمرضى- أنه عاشق للفنون والعلم والمعرفة بكل ألوانها، وبتنا نلتقي به في بعض الأنشطة الثقافية وخاصة المحاضرات الفكرية، وكان مشاركاً في مناقشة أفكارها، غير صادم فيما يطرح، موضوعي، هادئ، يؤكد ضرورة الفصل بين الدين والدولة، وأن هذا لا يعني أن نتعرض للأشخاص المؤمنين بأي دين بسخرية، بل الواجب يفرض احترامهم حتى لو خالفناهم بما يؤمنون, كما كان ودوداً، لا تستطيع برغم فارق العمر إلاّ أن تستهويك صداقته، ولم يكن يتوانى عن كتابة تعليق على منشور أو مقال يعجبه لأحد أصدقائه حتى الافتراضيين، فينفي عن نفسه ما قد تتوهمه في شخصه من تكبّر رجل بعمره وثقافته، وكان يبادر الجميع بابتسامته الساحرة التي تزيد وجهه برغم عمره وسامةً, وهو وإن لم يصدر مؤلفاً خاصاً به لكنه في مقدمة الأطباء الأدباء والفنانين لثقافته العالية وسمو أخلاقه، تحسبه قادماً من زمن النهضة الأوروبية، عاشقاً للموسيقا الكلاسيكية، ويتقن العزف على آلة البيانو، ما يدفعك للتساؤل: متى استطاع هذا الطبيب المميز باختصاصه الاهتمام بكل أنواع الثقافة والترجمة، لا بدَّ أن تنظيم الوقت وشغفه بالجمال حققا له كل ما ذكرناه. وكانت منشوراته الأخيرة غزيرة وعامرة بالحديث عن العمارة بكل أنواعها غربية وشرقية، كما حدّثنا عن كبار الفنانين التشكيليين، وكبار الفنانين الموسيقيين بخبرة الناقد الذي يبسط لك سيرة حياة هؤلاء ويسلّط الضوء على تجاربهم وتنوعها وبما امتازت، من دون أن ينسى تقديم لمحة عن سيرة حياتهم.
رحل منذ سنة, ولم يتسنَ لنا الكتابة عن خسارتنا له.. أمثالك يستحقون التكريم ولو بالذكر الدائم، فأنت من حاول زرع ثقافة الجمال وكأنك اكتشفت مؤخراً أنها أهم من مساعدة المرضى على الاستشفاء بالكيمياء.. نفتقدك وإن كنت مازلت بيننا، فسلاماً لروحك أيُّها الطبيب.