عتب المتعبين
ما إن ألقى السلام حتى احتد بشدة وهو يطلب توضيحاً حول ماهية دور الإعلام في الإضاءة على منغصات حياة الفقراء، ووجه لي ولبعض زملائي عندما كنا عائدين من تغطية إحدى الفعاليات سؤالاً: لماذا لا تعلنون على الملأ أنين الموظف “أبو دخل مهدود” من وطأة ضنك العيش؟
ذلك الموظف الذي التقيناه على ناصية الطريق بالمصادفة ونعرفه بحكم عملنا، يتكبد يومياً عناء التنقل من الريف إلى المدينة حيث مقرّ عمله وأجوره الباهظة التي تقضم أكثر من ثلث راتبه الذي هو أصلاً ومن دون أجور نقل بالكاد يغطي طعام أسرته لثلاثة أو أربعة أيام فقط، ويقاسي الأمرّين حتى يتدبر مصرف بقية الشهر.
وقد كان له عتبه على وسائل الإعلام وجهات الرقابة الوظيفية، لكونها تتعرض بالانتقاد لما تسمى “الإكرامية” السائدة في أغلب المديريات، حيث إن الموظف -حسب رأيه- يتقاضاها مكرهاً بالرغم من أنها تذهب بماء وجهه، وهو ذاته كما يأخذها في مديريته عليه أن يقدمها لأقرانه في أخرى عندما تكون له حاجةٌ فيها، مشيراً إلى أنه قبل انتقاد ولوم الموظف على فعله هذا، ينبغي تحسين دخله إلى الحدود التي تقيه العوز فلا يضعف أو ينكسر أمام متطلبات أبنائه.
لا شك في أنّ حال هذا “المعتر” كغيره الكثيرين ممن لا دخل لهم سوى عملهم الوظيفي، ولجهة دور الإعلام فإما أنه لا يتابع ما ينشره على منصاته، حيث لا يتوانى عن تناول معاناة العاملين بأجر ومنغصات معيشتهم-ونحن منهم-، أو أنه يعرف لكنه وجد بلقائنا فرصةً لتفريغ بعضاً من شحنات الأعباء الحياتية الضاغطة إلى حدّ الانفجار.
ومن باب امتصاص انفعاله تلقينا طرحه برحابة صدر، ولفتنا انتباهه إلى أنّ وسائل الإعلام على تنوعها حاضرة وبجرأة لجهة طرح شؤون وشجون ذوي الدخل المحدود، مع محاولة إقناعه أنّ الإمكانات المتاحة لدى الجهات الوصائية بسبب ظروف الحرب والحصار والعقوبات لا تزال قاصرة عن تمكينها من تحسين الأوضاع المعيشية، لكننا تعمدنا عن قصد تجنب التطرق لحالات الفساد التي يعتقد الكثيرون بوجودها في بعض الجهات، لأننا بصراحة لن نقدر أن نجد ما يبرر استمرارها، فيما الأمل يتقد بداخلنا بألّا يطول أمد انتظار وضع حدٍّ لها بل اجتثاثها من جذورها.