أوكرانيا من بايدن إلى ترامب.. هل من قطبة مخفية مُتواَطأٌ عليها؟ ‏

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:
في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، وفي ختام قمة مجموعة العشرين اليوم الثلاثاء، تحدث ‏الرئيس الأميركي جو بايدن لأول مرة، بعد ثلاثة أيام من نشر وسائل إعلام أميركية وأوروبية ‏تقارير عن قرار له بالسماح للنظام الأوكراني باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى ضد ‏الأراضي الروسية.. ما أثار ردود فعل روسية وعالمية كبيرة، لا تزال مستمرة، وتحذيرات ‏واسعة من أنّ بايدن في نهاية ولايته يُغامر باندلاع حرب عالمية ثالثة من خلال فتح الباب ‏لصراع مباشر خطير مع روسيا.‏
بايدن قال مخاطباً الحاضرين: إنّ الولايات المتحدة تدعم بقوة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ‏وأعتقد أنّ جميع الحاضرين على هذه الطاولة يجب أن يقدموا هذا الدعم أيضاً، «وكان من بين ‏الحاضرين وعلى الطاولة نفسها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف».‏
هذا القول لبايدن لم يحسم مسألة ما إذا كان أصدر فعلياً، أي رسمياً، قرار السماح، وفي الوقت ‏نفسه لم ينفِ، ليترك باب الميدان والسياسة «التفاوض» مفتوحاً باتجاهين: روسيا، وخلفه ‏دونالد ترامب. ولا يخفى ما أراد بايدن إيصاله من رسائل في هذين الاتجاهين، لناحية أنه ما ‏زال بإمكانه اتخاذ أخطر القرارات ذات المدى الطويل بمفاعيلها، وارتدادتها على المستوى ‏العالمي.‏
وكان ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، علّق أمس الإثنين من هذا الباب ‏عندما قال في تصريحات للصحفيين: كما تعلمون، لا يزال الموضوع منشوراً فقط في وسائل ‏الإعلام الغربية، ولكن من الواضح أنّ الإدارة المنتهية ولايتها في واشنطن تنوي اتخاذ ‏خطوات، من أجل الاستمرار في صب الزيت على النار والاستمرار في الاستفزاز وتصعيد ‏التوتر حول هذا الصراع.‏
وأكد بيسكوف أنّ «الغرب تلقى إشارات بوتين» قائلاً: لقد صاغ الرئيس بوتين، موقف روسيا ‏بشكل واضح للغاية وبشكل لا لبس فيه فيما يتعلق بقرار الضربات بالأسلحة بعيدة المدى على ‏أراضيها. وتلقى الغرب الجماعي هذه الإشارات .‏
وكانت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عدلت أمس الإثنين مقالها الأصلي حول قرار بايدن، ‏والذي كان يتضمن قراراً مماثلاً من فرنسا وبريطانيا، لتحصر هذا المسألة بالرئيس الأميركي ‏جو بايدن، وتقول إنه هو من أعطى الإذن للنظام الأوكراني باستخدام صواريخ أميركية بعيدة ‏المدى ضد الأراضي الروسية، فيما لم تفعل صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية كما فعلت ‏لوفيغارو الفرنسية، وكانت أول من نشر القرار ليتحول بعدها خبراً عالمياً.‏
بالعموم، لايزال المراقبون يقفون عند ما نشرته نيويورك تايمز، ولماذا لم تعدل المضمون، ‏وما إذا كان يُفهم من ذلك أن هناك فعلاً قراراً من بايدن، لكن هذا الأخير لا يريد الحديث عنه، ‏حالياً على الأقل، أو أن المسألة برمتها هي «بالون اختبار/جس نبض» لاستجلاء ردود الأفعال ‏والمواقف، ومن ثم البناء عليها. لكن هذا الاتجاه لا يبدو منطقياً بصورة كبيرة باعتبار أنّ ‏معظم الموقف واضحة، فإذا كان المقصود روسيا فإنها على الدوام تجدد الموقف نفسه من أن ‏قرار السماح آنف الذكر، سيغير «جوهر الصراع» ويفتح مواجهة مباشرة، وأنّ روسيا لديها ‏من القوة العسكرية ما تستطيع به الصد والرد، والفوز.‏
أما إذا كان المقصود استجلاء ردود فعل حلفاء روسيا، فإن هذا الاتجاه ليس صحيحاً ولا ‏صائباً، في ظل أنّ الدعم واضح مؤكد إلّا إذا كان الهدف معرفة ما يمكن أن يصل إليه هذا ‏الدعم، خصوصاً في الميدان.‏
أما إذا كان المقصود، كوريا الديمقراطية تحديداً، بزعم أنها أرسلت جنودها إلى أوكرانيا للقتال ‏إلى جانب الجيش الروسي، فإن هذا الزعم باطل في ظل أن إدارة بايدن تبحث عن أي حجة ‏لتبرير وتشريع ما تريده من تصعيد ميداني ضد روسيا، أو للضغط عليها بقرارات على شاكلة ‏السماح للنظام الأوكراني باستهداف عمق الأراضي الروسية بصواريخ غربية بعيدة المدى، ‏سبق أن قامت أميركا ودول أوروبية بتزويده بها.‏
وفي حال لم تكن كوريا الديمقراطية، فسيكون غيرها، بالنظر إلى أن المرحلة تتطلب اتخاذ ‏خطوات إضافية، حيث روسيا تتقدم وتكسب مزيداً من الأراضي، فيما كل هجمات النظام ‏الأوكراني تنتهي بالفشل، وآخرها الهجوم على مقاطعة كورسك.‏
وربما يكون الهدف من «السماح» هو كوريا الديمقراطية نفسها، وليس روسيا، فقد يكون ‌‏«السماح» نظرياً في سبيل تمرير قرار أميركي أو أممي ضد كوريا الديمقراطية، خصوصاً ‏بعد وصول علاقاتها مع روسيا إلى مستوى التحالف الإستراتيجي.‏

كثيرون ربطوا قرار «السماح» بمسألة أنّ إدارة بايدن تريد «التخريب» على إدارة ترامب ‏المقبلة، ليس فقط في روسيا، بل في جميع القضايا الدولية الساخنة، وقد يكون هذا صحيحاً في ‏ظل الهزيمة المُذلة التي نالها الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس في الانتخابات ‏الرئاسية ( في الـ5 من تشرين الثاني الجاري) أمام الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب الذي ‏يتجه نحو حكم مطلق في ظل سيطرة الجمهوريين أيضاً على الكونغرس بمجلسيه: النواب ‏والشيوخ.‏

قد يكون هذا صحيحاً، ولكن ماذا عن جزئية أنّ هذا «السماح» نفسه قد يفيد ترامب، سواء ‏لناحية استثماره في تخسير الديمقراطيين ما تبقى لهم من رصيد داخلي وخارجي وإظهارهم ‏بمظهر مشعلي الحروب والأزمات، ثم الانشغال بها على حساب الداخل الأميركي.. أو لناحية ‏استثماره باعتباره يشكل ورقة ضغط استباقية ستخدم ترامب في المرحلة المقبلة، أي مرحلة ‏التفاوض مع روسيا.. هذا وارد رغم ما سمعناه وسنسمعه من هجوم شرس يشنه مرشحو ‏ترامب للإدارة الجديدة على بايدن والديمقراطيين.‏
وفي هذا الشأن كتبت صحيفة «‏The Spectator‏» أنّ ترامب قد يلغي قرار بايدن، لكنها لم ‏تجزم بذلك، بل اعتمدت كلمة «قد» قائلة: هناك فرصة كبيرة لأن يتراجع ترامب عن هذا ‏القرار، مشيرة إلى أن المسؤولين الأميركيين أنفسهم يعتقدون أنّ استخدام الصواريخ بعيدة ‏المدى لضرب الأراضي الروسية من غير المرجح أن يغير مسار الصراع بشكل كبير. ‏
ويمكن بسهولة رصد أن ترامب لم يعلّق بصورة مباشرة، وإنما جاءت التصريحات من ‏أعضاء في «فريقه» رغم أن الصحفيين وجهوا أسئلتهم باتجاهه، ليرد ممثل فريق ترامب ‏الانتقالي، ستيفن تشونغ بالقول: إنّ ترامب فقط هو من يستطيع دفع الطرفين باتجاه التفاوض. ‏ولم يرد تشونغ على السؤال المتعلق بخصوص ما إذا كان ترامب على علم بقرار «السماح» ‏أم لا؟.. مشيراً إلى أنّ هذا الرد سيأتي من ترامب نفسه.‏
وحتى يأتي الرد من ترامب، سيحتفظ هذا «السماح» بمساحة رئيسية في سوق الاستغلال ضد ‏روسيا، باعتباره ورقة ضغط متقدمة وكبيرة جداً على مستوى الميدان.. وسيبقى كذلك، أقله ‏حتى مغادرة إدارة بايدن في 20 كانون الثاني المقبل. وعندما يبدأ ترامب مهامه رسمياً يكون ‏عندها لكل حادث حديث.‏
كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار