سورية و«بريكس»: ما علاقة مفاوضات الانضمام ببناء الاقتصاد الرقمي الوطني؟
تشرين- بقلم: الدكتور محمد عمار دللول*
تسمح العلاقة السياسية والاقتصادية المميزة تاريخياً بين سورية ودول مجموعة “بريكس” بالاستنتاج أن انضمام سورية إلى أكبر تكتل اقتصادي في العالم، سيعود عليها بفوائد واسعة في شتى المجالات، خصوصاً الاقتصادية منها.
وإذا كان إعلان وسائل الإعلام الروسية عن (مفاوضات جادة) بين الجانبين (سورية و”بريكس”) قد أثار موجة تفاؤل واسعة في الساحة السورية، خصوصاً مجتمع الأعمال باتحاداته وغرفه وشركاته وأعضائه المتلهفين إلى انفتاح جديد أمام الاقتصاد السوري، فإن حصان السبق في موضوع الانضمام سيكون المتطلبات والالتزامات التي يجب أن تفي سورية بها، كي تحصل على عضوية المجموعة.
كي نكون أكثر دقة في توضيح ما سبق، فإن الانتقال الكبير من الاقتصاد الكلاسيكي النمطي إلى الاقتصاد الرقمي الذي يشهده العالم، وتشهده اقتصادات دول مجموعة “بريكس” (الدول الخمس المؤسسة للمجموعة، والدول التي انضمت لاحقاً) سيكون لب المفاوضات بين الجانبين، نحن نتحدث هنا عن دول المجموعة التي قطعت شوطاً كبيراً في بنية ومستلزمات الاقتصاد الرقمي، وتحتل المراتب الأولى على مستوى العالم في العديد من مؤشراته، وعن سورية التي تعمل منذ سنوات قليلة على إنجاز جانب من بنية التحول الرقمي وتنفيذ متطلبات تصب في خانة الاقتصاد الرقمي، لكنها لا تزال في بدايتها، وتحتاج الكثير.
الأمر يزداد صعوبة مع التحديات التي تواجهها سورية، مثل تجاوز الحصار والعقوبات الغربية الأحادية المفروضة عليها، إعادة بناء الاقتصاد، صياغة تشريعات تناسب تعاملات الاقتصاد الرقمي، تراجع الإنتاج، صعوبة استقرار سعر الصرف، متوالية الأسعار، وغيرها من الصعوبات التي تواجه الإنتاج المحلي والتبادل التجاري بين سورية والعالم، استيراداً وتصديراً.
مع ذلك، فإن الإعلان عن إجراء مفاوضات هو حدث إيجابي كبير بحد ذاته، ينبغي أن تتضافر جهودنا على مستوى الحكومة، ومستوى القطاع الخاص ومنظمات مجتمع الأعمال، في دعم هذه العملية التي ستخدم الاقتصاد الوطني، وتساعد في دعم وتيرة الإنتاج، وزيادة الأمل عند المواطن والمستثمر المحلي والخارجي.
إن سورية التي تقف على عتبة إنهاء الحرب وبدء التعافي، سوف تشهد خلال السنوات القادمة أكبر عملية إعادة إعمار يشهدها التاريخ الحديث، وستكون دول مجموعة “بريكس”، الدول الأكثر والأكبر مساهمة في عملية الإعمار والاستثمار وإعادة البناء.
ولعل أول ما يستوجب ذلك، إطلاق مفاوضات انضمام، تعمل سورية من خلالها على الإيفاء بمتطلبات ذلك، وفي تقديري الشخصي، فإنه من أجل تحقيق أقصى استفادة من الانضمام إلى دول “بريكس”، يجب على سورية التركيز منذ الآن على بناء اقتصاد رقمي متكامل.
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب أولاً تطوير البنية التحتية الرقمية، وهي مهمة تقودها اللجنة العليا للتحول الرقمي، وثلاث وزارات أساسية هي: الاتصالات وتقانة المعلومات، الاقتصاد والتجارة الخارجية، التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في إطار تنفيذ مستلزمات الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي.
كما يتطلب الأمر، تسهيل وتعزيز الابتكار في مجالات التجارة الإلكترونية والخدمات المالية الرقمية، هنا يمكن لغرفة تجارة الاقتصاد الرقمي الوطنية (في حال إنشائها) أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق هذا الهدف، من خلال بناء منصات التجارة الإلكترونية التي تعمل على تسهيل وصول المنتجات المحلية إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، ولعل من يلقي نظرة على منصات التجارة الإلكترونية في دول “بريكس”، وعلى التبادل التجاري الرقمي بينها وبين العالم يخرج بجواب شافٍ في هذا المجال.
نضيف إلى ما سبق، إن قطاع شركات التقنية والاقتصاد الرقمي في سورية من أكبر القطاعات، ويدر عوائد مالية ضخمة على خزائن الدولة، ولديه الرغبة والقدرة في التوجه بشكل أسرع نحو توسيع مساحة مشروعات الاقتصاد الرقمي في سورية.
نضيف أيضا أن الرقمنة دخلت على العديد من القطاعات الاقتصادية التقليدية التي بدأت تتحول تدريجياً نحو قطاعات اقتصاد رقمي، مثل سوق الغذاء، التي يتسارع تحوله نحو سوق غذاء رقمي.
وقد استشهدت بفكرة الغذاء، لأقول: إن فرع سورية تحت التأسيس للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، سوف يعمل قريباً مع عدد من شركائه على البدء بمشروعات الاقتصاد الرقمي، من بينها سوق الغذاء الرقمي العربي الذي طرحه الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، من بين مشروعات ومبادرات وبرامج يعمل عليها الاتحاد والفرع في إطار الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي التي صاغها الاتحاد العربي وأقرتها القمة العربية في الجزائر، كي تكون خطة عمل للدول العربية، هذا بالإضافة إلى عديد المشروعات التي يخطط فرع سورية للبدء في دراستها وعرضها على شركائه لتنفيذ ما يستوجب الأولوية منها.
إن تسريع التوجه نحو الاقتصاد الرقمي في سورية، بالتزامن مع مفاوضات انضمام سورية إلى مجموعة “بريكس”، سيعود بفوائد على سورية، مثل تحسين كفاءة العمليات التجارية وتقليل التكاليف، تسهيل العمليات المالية والتجارية، فتح أسواق جديدة للمنتجات المحلية من خلال منصات التجارة الإلكترونية، توفير القوى العاملة المدربة والخبيرة، تحقيق نمو مستدام.
كما سيساعد سورية في تعزيز علاقاتها الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل التجارة الخارجية، إضافة إلى دعم التنمية الاقتصادية، واستفادة سورية من موارد وخبرات دول المجموعة في مشاريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، ناهيك بتخفيف أثر العقوبات الاقتصادية، وزيادة الثقة والاستقرار في الاقتصاد السوري بهذا الداعم الدولي القوي، كما سيمكن سورية من الوصول إلى مصادر تمويل جديدة من خلال البنوك والمؤسسات المالية التابعة لمجموعة “بريكس”، بهدف تمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية، إضافة إلى أن التعاون سيشمل مجالات متعددة، مثل: التعليم، الصحة، التكنولوجيا، والطاقة، والكثير غيرها، ما يعزز قدرة سورية على بناء الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.
إن إستراتيجية التحول الرقمي التي أعلنت عنها الحكومة السورية، قطعت خطوات واسعة في هذا المجال، وإن الإعلان عن (سورية رقمية) بحلول عام 2030 هو هدف ممكن التحقق، ولعل ما نحتاجه من خطوات حالية ومستقبلية هو تحسين البنية التحتية من خلال الاستثمار في تحسين شبكات الإنترنت والكهرباء لضمان استمرارية الخدمات الرقمية.
كما نحتاج إلى التوعية والتدريب والتأهيل من خلال إطلاق حملات توعية وبرامج تدريبية لتعزيز المؤهلات والمهارات الرقمية بين السكان، إضافة إلى حاجتنا لبناء شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص ومجتمع الأعمال والمنظمات لتوفير التمويل والدعم الفني لمشروعات تطوير البنية التحتية الرقمية والتكنولوجية.
*مدير فرع سورية تحت التأسيس للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي