العدوان السيبراني الإسرائيلي «تفجيرات البيجر».. المنطقة تعود إلى طريق الحرب الموسعة ‏على قاعدة توقع كل شيء وأي شيء..

تشرين – مها سلطان:
لأيام عديدة مقبلة، ستحبس المنطقة أنفاسها، قبل أن تتمكن من إطلاق الصُعداء، وقد لا تستطيع ‏ذلك في ظل أن التوقعات عادت إلى المربع الأول لناحية توقع أي شيء، وكل شيء، وكل ‏التوقعات تصب في نقطة واحدة، وهي أن المنطقة باتت على بُعد خطوات قليلة من الحرب ‏الموسعة بعد ذروة تراكمية جديدة في التصعيد إثر العدوان الإرهابي الذي أقدم عليه الكيان ‏الإسرائيلي بتفجير أجهزة اتصالات لاسلكية «بيجر» مستهدفاً لبنان/ والمقاومة اللبنانية- حزب ‏الله بصورة خاصة.‏
وفيما لا زالت النظريات والتكهنات تنطلق في إثر هذا العمل الإرهابي، تتبعاً وتخطيطاً وتفنيذاً ‏وكشفاً للجهات المتورطة مع الكيان الإسرائيلي، بات مؤكداً أن الهدف الأساس للكيان هو ‏الوصول بالمواجهة إلى أقصى نقطة تصعيد وبصورة لا يكون بعدها من خيار سوى الحرب ‏الموسعة.. علماً أن ما اصطلح على تسميته «هجوماً أو تفجيرات البيجر» وهو عدوان سيبراني ‏إسرائيلي ليس هو أقصى نقطة التصعيد، فلا تزال هناك نقاط أخرى على طريق الحرب ‏الموسعة، مع فارق أنها ستكون بفارق زمني أضيق وأخطر، وصولاً إلى اختفاء هذا الفاصل ‏الزمني الذي كان يُقاس حتى الآن بالأسابيع، ليغدو بالأيام ثم الساعات، حتى يختفي معلناً بدء ‏الحرب الموسعة. ‏
وبات مؤكداً أن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى تحقيق أعلى مستوى استفزاز لجبهات إسناد غزة، ‏خصوصاً المقاومة اللبنانية، فهي الأخطر بالنسبة له بحكم الجغرافيا الاستراتيجية، ودائماً ‏الهدف هو جر المقاومة اللبنانية (وحتى إيران) إلى رد مقابل من المستوى نفسه أو أعلى حتى ‏يستطيع الكيان تبرير مخططاته التي ينسجها مع الأميركي لإعادة رسم خرائط المنطقة ‏الجيوسياسية.‏

الكيان و«الحساب العسير» والأسئلة تستمر كثيرة ‏وكبيرة بانتظار ذروة تصعيد جديدة

وإذا ما كان الهدف الإسرائيلي- الأميركي هو الحرب الموسعة فلنا أن نتخيل حجم ‏الاستفزاز/الاعتداء التالي مقارنة بـ«تفجيرات البيجر».. وإذا كان الكيان يعتبر أنها حربه ‏الأخيرة «وجود أو لا وجود» والأمر ينسحب على أميركا أيضاً، فهذا يعني أن الأيام المقبلة ‏ستحمل تصعيداً كبيراً وبصورة متسارعة.‏
الموقف الأميركي
ومع ذلك هناك من يربط هذا المسار برد جبهات الاسناد، وحزب الله فيما يخص العدوان ‏السيبراني الإسرائيلي أمس، ويرى أن المقاومة اللبنانية/حزب الله يجب أن تكون على درجة ‏عالية من التيقظ والحذر وحساب الخطوات وعدم الانسياق باتجاه اللعب ضمن القواعد التي ‏يريدها الكيان.. وعملياً هذا ما تفعله وتنجح به لتكبد الكيان خسائر ميدانية كبيرة جداً، لكن ‏السؤال: ماذا سيحدث إذا ما أقدم الكيان على ذروة تصعيدية لا يمكن معها تجنب الرد بذروة ‏مقابلة، ليأتي بعدها الدور الأميركي كما هو مرسوم ومخطط له؟.. ودائماً كل ذلك مؤجل أو ‏يجري ترحيله بصورة متعمدة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في الـ5 من تشرين الثاني المقبل ‏لسبب واحد فقط هو أن الإدارة الأميركية الديمقراطية الحالية لا تريد المخاطرة بحرب قبلها.‏
صحيح أن الإعلام الأميركي يركز بصورة مستمرة على أن أميركا لا تريد حرباً في المنطقة، ‏وأن الكيان الإسرائيلي يتعمد بصورة دائمة جرها باتجاه الحرب، إلا أن ذلك لا يعني شيئاً في ‏الميدان، لأن أميركا بالأساس تبني قوتها على الحروب والعسكرة، ودائماً تحسم زعامتها ‏العالمية بالميدان، لذلك فإن مسألة الحرب الموسعة في المنطقة هي هدف أميركي غير معلن ‏بانتظار الوقت المناسب. ‏
أميركا وكما هو متوقع نفت أن تكون لها صلة بالهجوم السيبراني «تفجيرات البيجر»، وتريد ‏للجميع أن يصدق أن الكيان لم يخبرها ولم يطلعها ولم يأخذ ضوءاً أخضر منها، وهي التي تم ‏تنفيذها بعد ساعات من مغادرة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين للكيان الإسرائيلي، فيما ‏يستعد وزير الدفاع الأميركي مايك بنس لزيارة المنطقة الأحد المقبل في مهمة خداع وتضليل جديدة تحت ‏زعم الاحتواء والتهدئة.‏

وحسب «القناة 24» الإسرائيلية فإن المسؤولين الأميركيين باتوا مقتنعين بضرورة شن حرب ‏إسرائيلية موسعة على لبنان لتغيير الوضع الميداني في الشمال، بعد أن كانوا واثقين بإمكانية التوصل إلى اتفاق ثنائي لوقف التصعيد، وتضيف القناة الإسرائيلية: إن هذه القناعة ‏ترسخت مع زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا إلى ميدان الشمال، خلال ‏زيارته للكيان الشهر الماضي، واطلاعه على التقييم الشامل للأوضاع هناك، حيث رأى بنفسه ‏الحاجة إلى مواجهة أوسع، حسب القناة.‏

كل التوقعات تصب في نقطة واحدة وهي أن المنطقة باتت على بُعد خطوات من الحرب ‏الموسعة بعد ذروة تراكمية جديدة إثر العدوان السيبراني الإسرائيلي «تفجيرات البيجر»‏

ولفتت القناة إلى أن كوريلا أعرب عن مساندته للمخطط الإسرائيلي للقضاء على قدرات ‏الجبهة المقابلة، وعن استعداده لتقديم المساعدة اللازمة لـ «تحقيق النصر» وعودة المستوطنين ‏إلى الشمال. ‏
وحسب متزعمي الكيان فإن الظروف باتت مواتية، ولا مفر من هجوم واسع على لبنان، بينما ‏يركز المراقبون على أن «تفجيرات البيجر» أمس هي مقدمة لهذا الهجوم الذي بات أكثر ‏حتمية اليوم.‏

‏بانتظار« الحساب العسير»‏
وبانتظار «الحساب العسير» الذي توعد به حزب الله، ومع توالي السيناريوهات التي تكشف ‏كيفية التفخيخ والتفجير والجهات المتورطة مع الكيان الإسرائيلي، كشف مسؤولون أميركيون ‏لموقع «أكسيوس» أن الكيان قرر تفجير أجهزة البيجر خشية من أن يكون الحزب قد اكتشف ‏عمليته السرية (أي تفخيخ الأجهزة)، حيث كانت الخطة الأساس هي أن تتم العملية عند اندلاع ‏الحرب الموسعة لشل حزب الله. أما مع وجود هذه الخشية فإن التفجير يعد في إطار «ضربة ‏افتتاحية مفاجئة» لحرب أوسع.‏
ونقل «اكسيوس» عن مسؤول أميركي أن نتنياهو وكبار وزرائه ورؤساء ومسؤولين ‏عسكريين واستخباراتيين قرروا «تفجير الأجهزة الآن بدلاً من المخاطرة بأن يكتشف حزب ‏الله العملية»، مشيرين إلى أن الهدف الإسرائيلي كان «تقويض ثقة حزب الله وإيجاد شعور في ‏صفوف قواته بأنها مخترقة بالكامل من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية».‏
وكانت المخاوف الإسرائيلية التي أدت إلى قرار تنفيذ الهجوم أول من كشف عنها موقع ‌‏«المونيتور» الذي قال: إن اثنين من مقاتلي حزب الله أثارا الشكوك حول أجهزة البيجر في ‏الأيام الأخيرة.‏
وكان الإعلام الإسرائيلي قد حدد نوعية المادة المستخدمة في تفجيرات البيجر بأنها مادة ‌‏«‏PETN‏» شديدة الحساسية للحرارة والاحتكاك.‏

الزج بإيران
وكما هو متوقع، ولأن المخاوف الإسرائيلية تشمل إيران أيضاً، فكان لا بد من توجيه الرسائل ‏ذاتها تحذيراً مما تسميه واشنطن «استغلال بهدف التصعيد»، وقال المتحدث باسم الخارجية ‏الأميركية ماثيو ميلر في رسالة «تنبيه مبطنة»، وفق تعبير الإعلام الأميركي: نحث إيران ‏على عدم استغلال أي حوادث طارئة لتعزيز عدم الاستقرار وزيادة التوتر في المنطقة.‏

المؤكد أن الكيان يسعى إلى أعلى مستوى استفزاز للمقاومة اللبنانية فهي الأخطر بحكم ‏الجغرافيا الاستراتيجية بهدف جرها لرد من المستوى ذاته أو أعلى يبرر له توسيع الحرب

في هذه الأثناء وفيما تركزت الاتهامات باتجاه تايوان باعتبار أن الشركة المصنعة تايوانية ‏الجنسية، خرج مؤسسها لنفي وتفنيد الاتهامات وتوجيه الاتهامات نحو الأوروبيين، وقال ‏مؤسس شركة غولد أبولو، هسو تشينغ كوانغ: إن الشركة لم تصنع أجهزة البيجر التي قامت ‌‏«إسرائيل» بتفجيرها أمس الثلاثاء.‏
تايوان ودورها
وفي حين قالت وكالة «رويترز»: إن صور أجهزة البيجر المدمرة التي حللتها أظهرت شكلاً ‏وملصقات تتوافق مع أجهزة البيجر التي صنعتها غولد أبولو، أكد (هسو) أن أجهزة البيجر ‏المعنية صنعتها شركة في أوروبا لديها الحق في استخدام العلامة التجارية للشركة التايوانية.‏
وأوضح (هسو) أن شركته وقعت اتفاقاً قبل ثلاث سنوات مع شركة أوروبية تدعى «‏BAC‏» ‏يمنحها ترخيصاً بتصنيع الأجهزة واستخدام اسم الشركة، وقال: إن شركته كانت أيضاً ضحية.‏

ماذا سيحدث إذا أقدم الكيان على ذروة تصعيدية لا يمكن معها تجنب الرد بذروة مقابلة ليأتي ‏بعدها الدور الأميركي كما هو مرسوم ومخطط له؟

كما لفتت الشركة التايوانية في بيان صدر عنها إلى أن “أجهزة البيجر المستخدمة في تفجيرات ‏لبنان، صنعت في شركة «‏BAC‏» للاستشارات ومقرها العاصمة المجرية بودابست.. ‏وتصميم وتصنيع المنتجات يجري بالكامل بوساطة هذه الشركة.‏
وكانت وسائل إعلام أميركية، منها صحيفة «نيويورك تايمز»، قد كشفت أن الكيان الإسرائيلي فخخ شحنة ‏أجهزة البيجر قبل أن تصل إلى لبنان، مشيرة إلى أن «إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل ‏وصولها إلى لبنان من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخلها». ‏

ماذا بعد؟
مع ذلك، ورغم كل ما تم كشفه حتى الآن، إلا أن الكثير من الأسئلة لا تزال عالقة، بينما ‏الاعتقاد العام يتجه نحو أن المخفي أعظم، والتداعيات ستكون أكبر وأخطر من أن يتم ‏احتواؤها.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار