عن عوالم العشق المسحور… إحسان غرير مكتفياً بالكتابة عن الحب فقط
تشرين- راوية زاهر:
يكتب في التقديم: “أُهديَ الكتاب إلى غادة وغسان”، كحالة من الانسجام بين المحتوى والمُهدى إليهم في تحدّ للصّعاب، وفي الاستفاضة في الحديث عن الحب، وقد ضمّت المجموعة إحدى عشرة قصّة عن الحب ولا شيء غير الحبّ، بقوته وعنفوانه، بسطوته وجبروته، بهدوئه واتزانه، بشفقته ووفائه، برضاه وتعدّد خيباته، كذلك بالوفاء للأمكنة والأزمنة والتاريخ واللحظات. وبحضور نرجسيّ وعشقٍ للذات سيدفُع ثمنه أرواح أكبادنا.
عن العنوان
(مزيدٌ من الحبّ): عنوان المجموعة القصصية؛ مستمدٌ من عناوين إحدى القصص التي سنتوقف عندها قليلاً.
قصةّ بأحداث مميزة وبترتيب لافت، تقوم على شخصية (شكيب) ذلك الرجل الوقور، صاحب الكاريزما الخاصة، الذّكي الطّاعن بالفهم لكل ما يدور حوله، فيبدو أمام من يحادثه مخلوقٌ (سوبر) آسر، تلخّص زوجته (سمية) حالة زوجها مازحة (بأنّ شكيب يختم استعراضاً بانوراميّاً شديد الغموض).
و(سميّة)؛ زوجة شكيب الهادئة والتي تحوّلت فجأة إلى مخلوق يلفّه الألغاز والنزق، تكتشف مرض السرطان وهو في مرحلة متأخرة بالبنكرياس، وهي قاب قوسين أو أدنى من الموت، لا علاج متوافر ولا دواء ناجع، فما كان منها بعد هذا الحدث الجلل إلا أن أعادت ترتيب أولوياتها وبرمجت حياتها لشهرين من الزمن لتعيشهما كما ترغب وبشروطها.
عن القصة
القصة من النوع البسيط السهل، بمقدمة ووسط وخاتمة، الخاتمة بقيت نصف مفتوحة لتترك القارئ معلقاً بما يمكن أن يصنعه الحبّ في فترة وجيزة، ف(سمية) التي لم تطالب (شكيب) بشيءٍ سوى الحب والمزيد المزيد من الحبّ .
أما عن الأحداث فقد بلغت ذروتها عند اكتشاف المرض، وهول وقعه على نفس (شكيب وسمية)، وعدول (سمية) عن قرارها بالتخلي عن (أم شكيب) المتسلطة عليها، فكانت شروطها عدم الإفصاح لأحد عن مرضها لتحيا أيامها الأخيرة بسلام، والذهاب مساء إلى المطعم برفقة العائلة، والطلب الذي جعل القصة في أعلى تعقيداتها هو طلب زيارة (سمية) لحبيبها القديم في اللاذقية، وتخيير (شكيب) ما بين مرافقتها أم لا، لأنها اتخذت قرار الذهاب ولو كلفها ذلك زواجها.
الحدث الذي كان كوقع الصّاعقة على (شكيب)، فهو في موقف لا يُحسد عليه، لكنه نجح في الاختبار وقد كان في تحدّ صارخ لكبريائه ، ونال رضا زوجته، وها هو يقرر مرافقتها كتحقيق أخير لآمانيها التي على وشك النفاد.
وفي أثناء الرحلة إلى اللاذقية أعادت الزوجة ارتياد الأمكنة القديمة التي جمعتها بـ(شكيب)، أغرقته في عشقها، سامحته على خيانته، ثمنّت له تحقيق رغبتها الأخيرة، لتعترف أخيراً لـ(شكيب) أن حبيبها السابق جثة مسجاة في المقبرة، وما رحلتها معه إلا لاكتشاف رجولته وشهامته في لحظات كهذه، تعاتبا على التأخير في العيش لحظات الحب، وعلى تأجيلها إلى وقت الفاجعة، تعانقا، وأجهشا بالبكاء وطالبته بمزيد من كلمة حبيبتي وبمزيد من الحب.
عن اللغة
غلب على لغة القصة وحقلها المعجمي مفردات الحبّ والغزل، وقد تنوّعت قصص الكتاب، وعالجت مواضيع واقعية برمزية الحبّ، والجدير بالذكر هو التكثيف في تداول أسماء الأماكن، وهذا يحمل مصداقية السرد القصصي والوقائع والأحداث، وتؤكد أن القصص مأخوذة من مطبخ الواقع.
فقصة ( الحبّ متأخراً)، هي سردة لحالة حبّ مفترضة ولدت من خلف شاشة التواصل الاجتماعي (المسنجر)، استمرت لمدة ثلاثة أشهر، وفرضَ اللقاء السفر على متن رحلتين في الطائرة، وحالة من القلق والترقب.
وعبارة تسيطر على المشهد والأنا التواقة للقاء: (هل يمكنني أن أطلب من الزمن التّوقف الآن)… والفاجعة كانت عند اللقاء، خيبة متبادلة لا هي التي في باله ولا هو الذي شغل بالها، حاولا ردم الهوة ولكن عبثاً يحاولان، وشوشها بالعبارة التي تدرّب عليها: (هل يمكنني أن أطلب من الزمن التوّقف الآن؟).. وها هو يرصد الخيبة بردة فعلها يا ليته لم يحاول ردم الهوى ها هي تزداد عمقاً وتعقيداً، فالغاية التي أراد الكاتب إيصالها بحديثه عن الحب الافتراضي، أنه لا حبّ دون حضور، ولا حبّ دون لغة جسدية تربط كيمياء الأجساد، فكثيراً ما تحمل لكم اللقاءات الافتراضية تناقضاً يفتقر للروح حدّ التنافر.
قصص أخرى
وعن النبوءات واستخدام تكهنات الأسطورة في قصة (أم علي) التي وصلت حدّ الجنون بفقدان ولديها اللذين ربطت موتهما بنبوءة لعجوز في ليلة عرسها بأنها ستعاني كثيراً، ولكن بالحبّ وبإنجاب أطفال جدد استطاعت أن تعود لها الحياة من جديد.
القصص بكاملها تستحق الوقوف عليها، فهي تحمل رسالة توعية وحبّ ومتعة في آن معاً، وقد تحدثت القصص عن كل أنواع الحبّ العاصف الجامح، والذي لا يدوم، وكذلك الحب العقلاني والنرجسي والمخيّب، كما تميزت اللغة بأنها قوية ومتينة السبك، والكاتب اعتمد في لغته الصدق، فالحكايا واقعية، والأماكن حملت أسماءها بكل ثقة. والأحاسيس كما أسلفنا مرهفة حيناً وجامحة أحياناً، برز حب مساعدة الآخر في حالة من الإنسانية كقصة (في الشام قبيل الموت بقليل).. فالقصة سردت حالة إنسانية تشي بواقع مرير وحالة من الفقر المدقع لدى سائق تكسي نقل ابنه إلى المستشفى ولا حول له ولا قوة.. فما كان من الراكبين المغتربين إلا مساعدته دون أن يعي كيف… فعبارة (إن خليت خربت) تفي بجميل العمل..