واشنطن و«كيانها» في حالة صمت.. هدوء نسبي على جبهة الإسناد اللبنانية والاحتلال عينه على القادم من اليمن والعراق.. مُراوحة في التفاوض ووقف إطلاق النار طوق النجاة الوحيد
تشرين- هبا علي أحمد:
حال من الصمت والتكتم يعيشها كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ يوم أمس بعد عملية «يوم الأربعين» التي نفذتها المقاومة اللبنانية/ حزب الله بدقة ونجاح مستهدفة مواقع استراتيجية في كيان العدو وبالقرب من «تل أبيب»، وهو ردٌّ أولي على اغتيال الشهيد فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية قبل شهر.
اللافت فيما بعد العملية هو ما ورد في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وربطه استكمال الرد بسياق تكتم العدو ونتيجته عما جرى في القاعدتين المستهدفتين «غليلوت» الاستخبارية قرب «تل أبيب» و«عين شيمر» للدفاع الجوي، بمعنى أن الحزب تمكن رغم السرديات الإسرائيلية المزيفة التي عمّقت من مأزق العدو أساساً، ليس فقط أن يُفنّد تلك السرديات ويقدم الحقيقة بالأرقام وأمام الرأي العام، بل أيضاً تمكن من أن يحشر كيان الاحتلال في زوايا ضيقة وخيارات كلها مرّة، فإن ارتكب حماقة بـ«الرد» على رد الحزب وطالت استهدافاته مدنيين في جنوب لبنان فلابد أنه يعي أن عملية «يوم الأربعين» ستكون مصغرة أمام ما هو قادم، وعندها لن يقتصر الأمر على مئات الصواريخ والمُسيّرات، وبالتالي سيزداد الضغط الداخلي على المستوى السياسي للاحتلال ولاسيما على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإن انضوى الكيان على نفسه وابتلع رد المقاومة فستتهشم صورته إلى الأبد.
أهمية استمرار الجهود والمساعي لإيقاف إطلاق النار في غزة باعتباره المدخل الأساس لوضع حد للتصعيد الدائر في المنطقة
كما كان اللافت في الخطاب بث إشارات حول «ردود» قادمة من اليمن والعراق إضافة إلى إيران، وإن كانت هذه الردود عاجلة أم آجلة بالمحصلة، فإن حزب الله منذ معركة «طوفان الأقصى» والدخول على خط جبهة الإسناد لغزة، أسّس وأرسى معادلات جديدة للردع والاشتباك، وبات أي اشتباك أو حرب مقبلة بلا ضوابط ولا سقوف ولا خطوط حمراء كان في ظن العدو حتى الأمس القريب أن ليس بالإمكان تجاوزها، وباتت المقاومة في كل جبهات الإسناد هي من ترسم الخطوط الحمراء.
تبريد في المشهد
على جبهة لبنان، ورغم أن التصعيد وارد في أي لحظة، إلا أنه ولوقت كتابة هذه السطور يبدو أن حال من التبريد أو الاحتواء تحكم المشهد، مع عدم خروج المزيد من التصريحات و«التنديدات» حول ما جرى أمس، حتى أميركا لم يُسمع لها صوت كالمعتاد، لتبقى الأمور رهن تطورات الساعات المقبلة.
وأكد مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اتصال مع وزير خارجية لبنان عبدالله بو حبيب، تأييده لموقف لبنان المطالب بالتطبيق الفوري لقرار مجلس الأمن 1701، وشدد بوحبيب على ضرورة أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطاً على «إسرائيل» لتوقف عدوانها المستمر على لبنان وتلتزم بتنفيذ القرار 1701، كما أكد الطرفان أهمية استمرار الجهود والمساعي لإيقاف إطلاق النار في غزة باعتباره المدخل الأساس لوضع حد للتصعيد الدائر في المنطقة وتجنيبها حرباً شاملة.
في السياق، تكفلت وسائل إعلام العدو فقط بالحديث عما جرى وعن جبهة الإسناد اللبنانية، مشيرة إلى أن حزب الله لم يحاول هذه المرة إطلاق صواريخ دقيقة في الهجوم، محتفظاً بهذه القدرة حتى الآن من دون استخدامها، لافتة إلى أن الحزب سيُواصِل استهداف الشمال طالما استمرت الحرب على قطاع غزة، لأنّ نصر الله يؤمن بنظرية المعادلات، مضيفة: منْ يؤيّد قيام «إسرائيل» بهجوم واسع متعدد الجهات بهدف إزالة خطر حزب الله يجب أن يثبت ذلك عملياً قبل اللجوء إلى هذا الأمر، مُوضحة أنّ تجربة الماضي تؤكِّد بشكل قاطعٍ أنّ هذا الأمر هو ضربٌ من المستحيل.
رغم أن التصعيد وارد لكن يبدو أن حال من التبريد تحكم المشهد حتى أميركا لم يُسمع لها صوت كالمعتاد
كما عكست تلك الوسائل حال الإرباك في أوساط جيش الاحتلال عقب اقتحام مسيّرة من الاتجاه الغربي الأجواء المحتلة من دون معرفة المكان المحدد لانطلاقها، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يحقق في دخول مسيّرة إلى الأجواء من الجهة الشرقية، عند المثلث الحدودي بين فلسطين وسورية والأردن.
ترقب القادم
وتحدّثت المعلومات أنه بعد ما كشف نصرالله أمس أن رد اليمن وإيران آتٍ، وبشكل منفرد وفق حسابات كليهما، تترقب «تل أبيب» جولة أخرى من «الردود»، ولاسيما أن اليمنيين أكدوا في بيان أمس أن الرد القوي والفاعل على اغتيال شكر لا يزال مفتوحاً، كما جددوا التأكيد أن الردّ اليمني آتٍ حتماً والأيام والليالي والميدان هي ما سيثبت ذلك، في إشارة إلى الردّ على قصف «إسرائيل» ميناء الحديدة الشهر الماضي، كذلك توعدت بعض الفصائل العراقية أيضاً بشن هجمات مقبلة.
الإدارة الأميركية تزرع أملاً كاذباً بالحديث عن اتفاق وشيك لأغراض انتخابية
وألمح قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق، في بيان نشر مساء أمس على حسابه في منصة «إكس» أن الرد آتٍ لا محال.
أما على الصعيد الإيراني الرسمي، فأكد وزير الخارجية عباس عراقجي بدوره أن بلاده سترد حتماً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، مشدداً على أن بلاده لا تخشى من التصعيد، إلا أنه ألمح إلى أن الرد سيكون مدروساً.
حديث المفاوضات
كما كان متوقعاً في سياق المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال، انتهت اجتماعات القاهرة، التي عُقدت أمس، من دون تحقيق أي اتفاق، حيث رفضت «إسرائيل» المقترحات التي طرحها الوسطاء لحلحلة العقد التفاوضية في ظل تعنّت نتنياهو بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا.
ويُنتظر أن تستكمل هذه الجولة، اليوم، بمناقشات مستفيضة مع الوفد الإسرائيلي الذي سيجتمع برئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، قبل أن يعود حاملاً الردود النهائية حول المقترحات المطروحة على الطاولة.
وفي وقت سابق، أكد القيادي في «حماس» أسامة حمدان أن الحركة لن تقبل الحديث عن تراجعات لما وافقت عليه في الثاني من تموز الماضي أو اشتراطات جديدة، مضيفاً: الحركة سلمت الوسطاء ردها على الاقتراح الأحدث، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تزرع أملاً كاذباً بالحديث عن اتفاق وشيك لأغراض انتخابية.
وفي تموز الماضي، أوضح مصدر في «حماس» أن الحركة قبلت اقتراحاً أميركياً ببدء محادثات بشأن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، بمن فيهم الجنود والرجال، بعد 16 يوماً من المرحلة الأولى من اتفاق يهدف إلى إنهاء العدوان على غزة.
خسائر اقتصادية
في الأثناء ومع استمرار العدوان والحصار على غزة، تستمر القوات المسلحة اليمنية بفرض حصارها على الموانئ الفلسطينية المحتلة، ويستمر تعطل قطاع السياحة، الأمر الذي يكبد «إسرائيل» خسائر عالية على المستوى الاقتصادي.
احتجاز الكوادر الطبية في سياق الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المستشفيات في غزة يسهم بتدهور نظام الرعاية الصحية
وأشارت وكالة «أسوشيتد برس» إلى أنه بعد ما يقرب من 11 شهراً من الحرب على غزة، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي، إذ ألحقت الحرب أضراراً بآلاف الشركات الصغيرة، وأضعفت الثقة الدولية باقتصاد كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه دينامو ريادة الأعمال، وتعليقاً على ذلك،يقول بعض كبار خبراء الاقتصاد: إن وقف إطلاق النار هو أفضل وسيلة لوقف الضرر.
كما أشارت الوكالة إلى أنه نتيجة العمليات اليمنية توقفت العديد من السفن ذات المسافة الطويلة عن استخدام الموانئ الإسرائيلية كمراكز رئيسية، والتي شهدت انخفاضاً بنسبة 16% في الشحن في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023.
إلى ذلك، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الاعتداءات الإسرائيلية على الكوادر الصحية بغزة، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواصل إساءة معاملة الكوادر الطبية الفلسطينية في غزة وعليها وقف ذلك فوراً.
وأضافت: الجيش الإسرائيلي احتجز تعسفياً فلسطينيين يعملون في مجال الرعاية الصحية في غزة منذ تشرين الأول 2023، ورحلهم إلى منشآت الاحتجاز وعذبهم وأساء معاملتهم.. إذ إن احتجاز الكوادر الطبية في سياق الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على المستشفيات في غزة يسهم في التدهور الكارثي لنظام الرعاية الصحية في القطاع المحاصر.