تساؤلات هامسة حول روائز التفوّق ومعايير “اللقب الذهبي”.. بين شغف الدراسة والملكات الذهنية جدل لابدّ أن يُسم

تشرين- بشرى سمير:
ملأت زغاريدها الشارع، فقد نجح ولدها في شهادة التعليم الأساسي وحصل على علامات قاربت التامة، وعند سؤال (أم علي) عن سبب تفوق ابنها، أشارت إلى أنه كان يتلقى دروساً خصوصية عند أستاذ مخضرم، علّمه كيف يحصل على الدرجات العالية من خلال معرفة الأسئلة المتوقعة في الامتحان والإفادة من الدورات السابقة.
جواب (أم علي) هذا يضعنا أمام سؤال مهم، مفاده: هل كل طالب حصل على علامات عالية متفوق ويمتلك قدرات خاصة تميزه عن أقرانه وتؤهله للالتحاق بمدارس المتفوقين أو بالمركز الوطني للمتميزين؟
يشير الطالب ليث محمد، وهو من الطلاب الحاصلين على درجات عالية جداً في شهادة التعليم الأساسي، إلى أن ما ساعده على التفوق هو متابعة أهله له منذ بداية العام وإحضار الأساتذة الخصوصيين له من أجل تحصيل درجات عالية، إضافة إلى حبه للتحدّي وجعل أهله يتفاخرون به، حيث يكفي بعض الأمهات أن يقلن “ابني مسجّل في مدرسة المتفوقين” للدلالة على أنه متفوق، فقد أصبح الموضوع بالنسبة لشريحة لا يستهان بها وسيلة للمفاخرة بين العائلات.

أحمد: مدارس المتفوقين لا تعتمد على معيار الدرجات بل تركز على القدرات العقلية

وتوضح المدرسة رنا توتنجي أنه ليس بالضرورة أن يكون الطالب الذي حصل على أعلى الدرجات أكثر ذكاء من الطالب المتوسط، وهناك العديد من الأمثلة على العباقرة الذين كانوا فاشلين دراسياً، لكنهم كانوا مبدعين وعباقرة، مثل أديسون مخترع المصباح الكهربائي، لافتة إلى أن النجاح في الحياة لا يتحقق عبر التفوق الدراسي فقط، بل على العكس من ذلك، يمكن للطلاب أصحاب الدرجات المتوسطة امتلاك سلسلة مهارات وقدرات مفيدة جداً، وقد يكونون أكثر إبداعاً وابتكاراً.
وحسب توتنجي، فإن رعاية المتفوقين ليست بتخصيص أو تمييز هذه المدرسة بكوادر تدريسية على حساب المدارس الأخرى، لأن توزيع الملاك يتم وفق حاجة المدارس، لكن الانضمام إلى الكوادر التدريسية بمدارس المتفوقين يرتبط بقدرة المعلم، فإن امتلك القدرة على مجاراة مجموعة النخبة من الطلاب، فإنه تجاوز امتحاناً أخطر من امتحان قبول الطالب بهذه المدرسة، مشيرة إلى أن المعلم الكفء هو القادر على تقديم الأفضل لطلابه، وقادر على الإجابة عن أسئلتهم، لفارق بسيط أن الوقت المخصص لاستدراك الطالب الضعيف وإعادة الشرح يمكن استثماره في مدارس المتفوقين أو شُعب المتفوقين بالإثراء للموضوع والمناقشة، وحل مزيد من التمارين والمنافسة بين الطلاب بسرعة الإجابة والحل .
ورغم أهمية توافر المستوى المتقدم لمدارس المتفوقين، لكن هناك رؤية نقلتها الموجهة مها نزيه، إذ تبيّن أن حصر الكفاءات من طلبة ومدرسين شكّل عامل تحفيز وتشجيع للطلاب والمدرسين الذين انتسبوا إلى هذه المدارس، لكنه في الوقت ذاته حرم المدارس الأخرى من طلاب كان تفوقهم محفزاً للطالب الجيد أو المتوسط، الذي من المحتمل أن ينتقل من طالب متوسط إلى طالب جيد ومتفوق نتيجة المنافسة والتشجيع .

بيئة خصبة للتفوق في كل مدرسة
ويضيف محمد قبلان، موجه تربوي: لا ننكر نجاح مدارس المتفوقين، لكن ما المانع من جعل كل المدارس بيئة خصبة للتفوق تبدأ من الكوادر التدريسية والإدارية إلى الطالب وهو محط الاهتمام.

مرشدة نفسية: احتكاك الطالب المتفوق مع الطالب المتوسط يوفر بيئة تنافسية وحافزاً للتفوق

في الوقت الذي يؤكد فيه جميل عتمة وهو مدرس مادة الجغرافيا في مدارس المتفوقين، أن منطق التميز مكافأة للطالب، لكن في مجال التعليم لا مبرر له، فدعم العملية التعليمية والمعلم مطلوب، لتكون كل مدرسة بغضّ النظر عن الموقع الجغرافي مؤهّلة لتخريج طلاب متفوقين، وهذا ما شهدناه من خلال نتائج شهادتي التعليم الأساسي والثانوية، فقد كانت هناك نسبة جيدة من الأوائل في الشهادتين من مدارس حكومية عادية.

الشغف وحب الدراسة
من جانبها، إلهام محمود، مدرسة في مدارس المتفوقين، أشارت إلى أن التفوق في المدرسة مرتبط بالشغف بالمدرسة وتحديات المدرسة بشكلٍ أساسي، ولا علاقة مباشرة بمستوى بالذكاء فقط، بل بالجهد الذي يبذله الطالب، وهو نتيجة شغفه بالدراسة، ما يجعله يتميز عن بقية أقرانه.
وتضيف: خلال تدريسي للعديد من الطلاب، لاحظت أن هناك عدداً من المتفوقين دائماً، رغم أنهم في الواقع كانوا بقدرات وإمكانيات ذهنية عادية جداً، لكن كانوا متفوقين دائماً ويحصلون على درجات عالية للغاية، السبب أنهم كانوا أصلاً يعشقون تلك المادة والمدرس وشغفهم بالمدرسة كان الدافع الحقيقي الكافي لتفوقهم.
استثمار طاقات الطلاب
رئيس دائرة التربية الخاصة في وزارة التربية ربيع أحمد، بيّن أن مدارس المتفوقين ساهمت في تزكية ورعاية تفوق الطلاب وشغفهم وحبهم للبحث، واكتشاف كل ما هو جديد، فقامت باستثمار طاقاتهم استثماراً أمثل، ووجهتهم إلى كل ما هو جديد ومميز، إيماناً منها بقدرات الطلاب المتفوقين، فهم تربة خصبة يجب استثمارها والاستفادة من طاقاتهم على الوجه الأمثل وتوجيهها لكل ما هو جديد ومبتكر، وقد انعكس ذلك بصورة جليّة عندما تنافس المتفوقون في الكثير من المسابقات والتحديات كتحدي القراءة والأولمبياد العلميّ وغيرهما، حيث أثبت فيها طلابنا قدرتهم وجدارتهم وقوة إصرارهم على الوصول إلى القمة والفوز بها مهما كان الطريق صعباً.

موجه تربوي: جعل كل المدارس بيئة خصبة للتفوق

لا تعتمد على معيار التفوق
ولفت إلى أن مدارس المتفوقين لم تعتمد على معيار التفوق وحده، بل اهتمت اهتماماً كبيراً بالقدرات العقليّة للطلاب المتفوقين، وعملت على تنميتها وتحدّيها عن طريق طرح المسائل التعليميّة على شكل مشكلات تتحدى عقولهم وتستثيرها للوصول إلى حلول منطقيّة، تعتمد على البحث والاستقصاء والاستنتاج والقياس.

42 مدرسة للمتفوقين
ونوه أحمد إلى أن مدارس المتفوقين تقوم بإجراء دروس إثرائيّة دوريّة للمواد الرئيسة مثل (الرياضيات والفيزياء واللغات…)، بالتزامن مع سير المنهج الدراسي بشكل شبه يومي، علماً أن عدد مدارس المتفوقين في الجمهورية العربية السورية /42/ مدرسة موزعة على محافظات القطر، وهنالك أكثر من مدرسة في بعض المحافظات حسب عدد الطلاب المتفوقين، وتقوم وزارة التربية سنوياً بفتح عدد من المدارس الجديدة استجابةً لأعداد الطلاب المتزايدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار